قال عبدالله الغماري: وقد ذكره بتمامه ابن العربي الحاتمي في كتاب "تلقيح الأذهان ومفتاح معرفة الإنسان"، والديار بكري في كتاب "الخميس في تاريخ أنفس نفيس". وعزْوه إلى رواية عبد الرزاق خطأ، لأنه لا يوجد في مصنفه ولا جامعه ولا تفسيره. وقال الحافظ السيوطي في الحاوي:"ليس له إسناد يعتمد عليه" أ. هـ.، وهو حديث موضوع جزمًا، وفيه اصطلاحات المتصوفة، وبعض الشناقطة المعاصرين ركّب له إسنادًا فذكر أن عبد الرزاق رواه من طريق ابن المنكدر عن جابر وهذا كذب يأثم عليه.
قلت: وممن أخطأ فعزاه لعبدالرزاق العجلوني في كشف الخفاء، وقد اعتمد على إحالة صاحب المواهب.
وقال أبو عمر –في بحثه المشار إليه-: " وعزاه لـ (مصنف عبد الرزاق): السيوطيُّ في الخصائص الكبرى والقسطلاني وابن عربي الصوفي وأحمد رضا البريلوي ومحمد عثمان عبده البرهاني وجماعة آخرون من المتصوفة، وذكره الديار بكري في "الخميس في سيرة أنفس نفيس".
ولم أقف عليه في شيء من كتب الحديث حتى كتب الموضوعات بل مصنف عبد الرزاق فالعزو إليه إما وَهم، وإما خلط بحديث آخر يأتي ذكره –إن شاء الله تعالى- في موضوع مستقل، وإما محض كذب وافتراء. والله أعلم".
قال السيوطي في الحاوي (1/ 223 - 225): والحديث المذكور في السؤال ليس له إسناد يعتمد عليه.
وعقب على هذا الكلام عبدالله الغماري (في ملحق قصيدة البردة ص75) قائلاً: " وهو تساهل قبيح بل الحديث ظاهر الوضع، واضح النكارة … "إلى أن قال: "والعجب أن السيوطي عزاه إلى عبد الرزاق مع أنه لا يوجد في مصنفه ولا تفسيره ولاجامعه وأعجب من هذا أن بعض الشناقطة صدق هذا العزو المخطيء فركب له إسناداً من عبد الرزاق إلى جابر، ويعلم الله أن هذا كله لا أصل له فجابر -رضي الله عنه- بريء من رواية هذا الحديث وعبد الرزاق لم يسمع به"، وذكر في الحاشية أن المنصوص عن عبدالرزاق في تفسيره أن أول الأشياء وجوداً الماء.
وقال أحمد بن الصديق الغماري: مستدركاً على السيوطي-أيضاً-: (وهو حديث موضوع لو ذكره بتمامه لما شك الواقف عليه في وضعه، وبقيته تقع في ورقتين من القطع الكبير؛ مشتملة على ألفاظ ركيكة، ومعان منكرة).
ووافقه على وضعه الأستاذ عبد الله الهرري بعد أن أورد عبارة أحمد الغماري في كتابه الدليل القويم ص/180 وقال عقبه: "وهو جدير بكونه موضوعًا".
وبعض الدجاجلة ينسبه لمسند أحمد، ولا أخاله من الألف ألف حديث التي اختار منها المسند، وبعضهم يزعم أنه حصل عليه عن طريق الكشف، وقد علق الغماري على ذلك بقوله: "وقد ادعى بعضهم أيضًا أن هذا الحديث أي حديث جابر المفتعل صحّ كشفًا. فهذا كلام لا معنى له لأن الكشف الذي يخالف حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم لا عبرة به". وقد بين مخالفته للقرآن والسنة بقوله:"أقول: هذا الحديث مخالف لقوله تعالى: (قل إنما أنا بشر مثلكم)، ومخالف للحديث الذي رواه البخاري والبيهقي وابن الجارود عن عمران بن حصين أن أهل اليمن أتوا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالوا: يا رسول الله جئناك لنتفقّه في الدين ولنسألك عن أول هذا الأمر ما كان، قال: "كان الله ولم يكن شىء غيره، وكان عرشه على الماء وكتب في الذكر كل شىء، ثم خلق السموات والأرض"، وللحديث الذي رواه ابن ماجه وابن حبّان أن أبا هريرة قال: يا رسول الله إني إذا رأيتك طابت نفسي وقرَّت عيني فأنبئني عن كل شىء قال: "إن الله تعالى خلق كل شىء من الماء"، وللحديث الذي رواه السُّدّي الكبير عن ابن عبّاس موقوفًا: "ما خلق الله تعالى شيئًا مما خلق قبل الماء".
الشاهد أن هذا الحديث لاسند له إلاّ سند مركب محدث، لاوجود له في كتب أهل العلم المسندة، لا صحيحها ولا ضعيفها ..
ولم يقل بما فيه أحد من أهل العلم سلفيهم، وأشعريهم، بل ومن فيهم شيء من التجهم والاعتزال.
¥