روى البخاري عن ابن عباس: أن النبي صلى الله عليه و سلم خرج إلى البطحاء. فصعد الجبل فنادى: " ياصباحاه " , فاجتمعت إليه قريش , فقال: " أرأيتم إن حدّثتكم أن العدوّ مُصبحكم أو مُمْسيكم أكنتم تصدقوني؟ " قالوا: نعم , قال: " فإني نذير لكم بين يدي عذاب شديد " , فقال أبو لهب: ألهذا جمعتنا؟ تبا لك , فأنزل الله: " تبت يدا أبي لهب و تبّ ". إلى آخرها. و في رواية - عند البخاري أيضا -: فقام ينفض يديه , و هو يقول: تبا لك سائر اليوم , ألهذا جمعتنا؟ فأنزل الله: " تبت يدا أبي لهب و تبّ ".

(تبت يدا أبي لهب) أي خسرت و خابت , و ضل عمله و سعيه.

و هذه الجملة دعائية و لذا هلك - أبو لهب - بمرض خطير اسمه العدسة فمات و أقام ثلاثة أيام لم يدفن حتى أنتن ثم إن ولده أراقوا عليه الماء من بعيد مخافة عودى العدسة؟ إذ كانت العرب تتقي هذا المرض كما يتقى الطاعون.

و أبو لهب هذا هو أحد عمومة النبي صلى الله عليه و سلم و اسمه عبد العزّى , و قد اشتهر بكنيته و عرف بها لولدٍ له يقال له لهب , أو لتلهب وجنتيه و إشراقهما , مع الإشارة إلى أنه من أهل النار , و أن مآله إلى نار ذات لهب , فوافقت حاله كنيته , فحسن ذكره بها.

(و تبّ) إخبار من الله تعالى بهلالك عبد العزّى أبي لهب.

(ما أغنى عنه ماله و ما كسب) لما سخط الله عليه و أدخله ناره لم يغن عنه أي لم يدفع عنه العذاب ماله و لا ولده , حيث ذكر عن ابن مسعود أن رسول الله صلى الله عليه و سلم لما دعا قومه إلى الإيمان , قال أبو لهب: إذا كان ما يقول ابن أخي حقا , فإني أفتدي نفسي يوم القيامة من العذاب بمالي وولدي , فأنزل الله: " ما أغنى عنه ماله و ما كسب ".

(سيصلى نارا ذات لهب) أي نار ذات شرر و لهيب و إحراق شديد , فتحيط به من كل جانب جزاء ما كان يأتيه من مقاومة الحق و مجاحدته.

(و امرأتُه حمالة الحطب)

" وامرأتُه " هي أم جميل العوراء , كانت من سادات نساء قريش , و اسمها أروى بنت حرب بن أمية و هي أخت أبي سفيان , و قد كانت عونا لزوجها على كفره و جحوده و عناده , فلهذا تكون يوم القيامة عونا عليه في عذابه في نار جهنم.

" حمالة الحطب " حيث كانت تأتي بشوك السعدان و تضعه في طريق النبي صلى الله عليه و سلم عند ذهابه إلى صلاة الصبح بالمسجد الحرام.

أو أنها تحمل في النار الحطب على زوجها.

و قيل لأنها كانت تحطب الكلام و تمشي بالنميمة كما قاله مجاهد و عكرمة و قتادة. قال الزمخشري: و يقال للمشّاء بالنمائم بين الناس , يحمل الحطب بينهم , أي يوقد بينهم و يورث الشر.

(في جيدها حبل من مسد) قال مجاهد و عروة: من مسد النار , و قال سعيد بن المسيب: كانت لها قلادة فاخرة , فقالت: لأنفقها في عداوة محمد , يعني: فأعقبها الله بها حبلا في جيدها من مسد النار , و عن الشعبي قال: المسد: الليف.

قال مجاهد: " في جيدها حبل من مسد " أي طوق من حديد , ألا ترى أن العرب يسمون البَكْرة مسد؟

قال بعض أهل العلم: أي في عنقها حبل من نار جهنم تُرفع به إلى شفيرها , ثم ترمى بها إلى أسفلها , ثم كذلك دائما.

قال الإمام: قد أنزل الله في أبي لهب و في زوجته هذه السورة , ليكون مثلا يعتبر به من يعادي ما أنزل الله على نبيه , مطاوعة لهواه و إيثارا لما ألفه من العقائد و العوائد و الأعمال , و اغترار بما عنده من الأموار , و بماله من الصولة أو من المنزلة في قلوب الرجال , و أنه لا تغني عنه أمواله و لا أعماله شيئا , و سيصلى ما يصلى , نسأل الله العافية.

ـ[عبدالحي]ــــــــ[17 - Nov-2007, مساء 07:01]ـ

بسم الله الرحمن الرحيم

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

تفسير سورة النصر

سورة النصر مدنية عدد آياتها ثلاثة , و أجمعوا على أنها آخر سورة نزلت جميعا , هذا قاله ابن عباس رضي الله عنه كما في صحيح مسلم

روى الإمام أحمد عن ابن عباس قال: " لما نزلت (إذا جاء نصر الله و الفتح) قال رسول الله صلى الله عليه و سلم: " نعيت إليَّ نفسي " بأنه مقبوض في تلك السنة " - قال الشيخ شاكر إسناده صحيح - , و هكذا قال مجاهد و أبو العالية و الضحاك , و غير واحد: إنها أجل رسول الله صلى الله عليه و سلم نُعي إليه.

¥

طور بواسطة نورين ميديا © 2015