- الوجه الثالث: رواه معمر وإبراهيم بن ميمون الصائغ وعبد الكبير بن دينار عن أبي إسحاق عن علقمة بن قيس عن ابن مسعود.

- الوجه الرابع: رواه أبو سنان عن أبي إسحاق عن هبيرة بن يريم عن ابن مسعود.

والوجه الرابع لا إشكال في خطئه، فقد تفرد به أبو سنان سعيد بن سنان، وهو ثقة له غرائب وأوهام وأخطاء (انظر: تهذيب التهذيب: 4/ 40)، ولعلَّ هذه الرواية من أخطائه، فليس يروي هذا الوجه عن أبي إسحاق إلا هو، وكبار أصحاب أبي إسحاق يختلفون في الرواية عنه عن غير واحد ليس فيهم هبيرة، ومنه فلا يصح هذا عن أبي إسحاق.

ويبقى النظر في الأوجه الثلاثة الأُوَل، وفي مرجحات كلِّ وجه وما يعكّر عليه:

# مرجحات الوجه الأول:

1 - اتفاق أربعة من الثقات الحفاظ على رواية الحديث عن أبي إسحاق عليه، قال ابن حجر: «لكن رواية زهير هذه ترجحت عند البخاري بمتابعة يوسف حفيد أبي إسحاق، وتابعهما شريك القاضي وزكريا بن أبي زائدة وغيرهما ... » (فتح الباري: 1/ 258).

2 - كون رواية شريك عليه، وشريك فضّله العلماء على إسرائيل في أبي إسحاق، مع أن إسرائيل مُفضَّلٌ على أكثر الرواة في أبي إسحاق - ويأتي -، قال عثمان الدارمي في سياق سؤاله ابن معين عن أصحاب أبي إسحاق: (قلت: فشريك أحب إليك أو إسرائيل؟ فقال: «شريك أحب إليّ وهو أقدم، وإسرائيل صدوق»)، وقال يعقوب بن سفيان عن الفضل بن زياد: (وسئل - يعني: أحمد بن حنبل - عن شريك وإسرائيل عن أبي إسحاق، أيهما أحب إليك؟ فقال: «شريك أحب إليّ، لأن شريكًا أقدم سماعًا من أبي إسحاق»)، وقال صالح بن أحمد بن حنبل عن أبيه: «سمع شريك من أبي إسحاق قديمًا، وشريك في أبي إسحاق أثبت من زهير وإسرائيل وزكريا»، وقال العجلي: «وروايته - أي: زكريا بن أبي زائدة - ورواية زهير بن معاوية وإسرائيل بن يونس عن أبي إسحاق قريبٌ من السواء، ويقال: إن شريكًا أقدم سماعًا من أبي إسحاق من هؤلاء» (تاريخ ابن معين برواية الدارمي،

ص59، المعرفة والتاريخ: 2/ 168، الجرح والتعديل: 4/ 366، ترتيب ثقات العجلي: 1/ 370).

3 - متابعة ليث بن أبي سليم لأبي إسحاق عليه، قال البيهقي بعد إخراجه رواية ليث: «وهذه الرواية إن صحت تقوِّي رواية أبي إسحاق عن عبد الرحمن بن الأسود، إلا أن ليث بن أبي سليم ضعيف» (السنن: 1/ 108)، وظاهر كلامه أنه لا يعتبر بليث بن أبي سليم في التقوية والاستشهاد، وخالفه ابن التركماني، قال بعد أن نقل كلامه: «قلت: أخرج له الشيخان، كذا ذكره صاحب الكمال، وقال الدارقطني: (صاحب سنة، يخرج حديثه)، وقال العجلي: (جائز الحديث)، فأقل أحواله أن يصلح للاستشهاد به» (الجوهر النقي: 1/ 110)، وقال ابن حجر: «وليث وإن كان ضعيف الحفظ، فإنه يُعتبر به ويستشهد، فيُعرف أن له من رواية عبد الرحمن بن الأسود عن أبيه أصلاً» (هدي الساري، ص349).

4 - استحضار أبي إسحاق الوجه الثاني للحديث حال تحديثه بهذا الوجه، وعدوله عن الآخر إليه، فإنه قد قال في رواية زهير عنه: «ليس أبو عبيدة ذكره، ولكن عبد الرحمن بن الأسود عن أبيه ... »، قال ابن دقيق العيد: «ومما يعارض كون الصحيح: أبو عبيدة عن أبيه: روايةُ البخاري عن أبي إسحاق، وقوله: (ليس أبو عبيدة ذكره)، وهذا نفي لروايته عن أبي عبيدة عن أبيه صريحًا» (الإمام: 2/ 571)، وقال ابن التركماني: «فيما تقدم من قول أبي إسحاق: (ليس أبو عبيدة ذكره) نفيٌ لروايته عنه، وهذا يبطل قول الترمذي: (حديث إسرائيل أصح)» (الجوهر النقي: 1/ 108)، وقال ابن حجر: «ومما يرجحها - أي: رواية زهير ومن تابعه - أيضًا: استحضار أبي إسحاق لطريق أبي عبيدة وعدوله عنها، بخلاف رواية إسرائيل عنه عن أبي عبيدة، فإنه لم يتعرض فيها لرواية عبد الرحمن كما أخرجه الترمذي وغيره، فلما اختار في رواية زهير طريق عبد الرحمن على طريق أبي عبيدة، دلَّ على أنه عارف بالطريقين، وأن رواية عبد الرحمن عنده أرجح» (الفتح: 1/ 258).

¥

طور بواسطة نورين ميديا © 2015