ثم قد جاء خَبَرٌ صحيح من طرق عن أبي وائل شقيق بن سلمة عنه قال: "لقد سَمِعْت القَرَأة (وفي روايةٍ: القراء أو القراءة)، فوجدتهم متقاربين، فاقرؤوا كما علمتم، وإيَّاكم والتنطع والاختلاف، فإنما هو كقول أحدكم: هلم، وتعالَ، وأقْبِل"؛ رواه ابن أبي شيبة وعبدالرزاق في التفسير، والبيهقي في الصُّغرى والكبرى، وابن أبي حاتم في التفسير، والآملي في التفسير وأبو عبيد في فضائل القرآن، والطبري في التفسير، والطبراني في الأوسط والكبير بأسانيد صحيحة.

ودلالة الخبر إقرار ابن مسعود لصحة الحروف عن زيد وأُبَيٍّ وأَبِي موسى.

ومن باب أولى الرسم العثماني.

ثم في خطبته الأخيرة سالفة الذِّكر إقرارٌ ورجوعٌ وتصويبٌ لِما فعله أمير المؤمنين عثمان بن عفان.

ويَبقى النَّظر في مَرْوِيَّات الشبهة الواردة بشَأْنِ المعوذتين.

مرويات الشبهة والنظر فيها

وردت هذه الشبهةُ من طرقٍ عن زر بن حُبَيْش وأبي عبدالرحمن السلمي وعلقمة وعبدالرحمن بن يزيد النخعي، ولنذكرها مفصلة:

أولاً: رواية زر بن حبيش:

رواه عن زر بن حبيش ثلاثة هم:

1 - عاصم بن أبي النجود.

2 - عبدة بن أبي لبابة.

3 - أبو رزين مسعود بن مالك الأسدي.

وأمَّا مَن رواه عن عاصم، فجَمْعٌ هُم:

1 - ابن عيينة.

2 - معمر.

3 - الثوري.

4 - شعبة.

5 - منصور.

6 - مالك بن مغول.

7 - زيد بن أبي أنيسة.

8 - حماد بن سلمة.

9 - زائدة بن قدامة.

10 - أبو بكر بن عياش.

11 - شيبان.

هذا الجمع في مَرْوِيَّاتِهم خلافٌ بزيادةٍ أو نقصان.

فمعمر والثوري وشعبة وزيد بن أبي أنيسة اتَّفقوا على لفظٍ واحد: "سألتُ أُبَيًّا عن المعوذتين، فقال: سألت عنهما رسولَ الله - صلَّى الله عليه وآله وسلَّم - فقال: قيل لي، فقلت ... "؛ الحديث.

وأمَّا حَمَّادُ بن سلمة وزائدة بزيادة: "لا يكتب المعوذتين في مُصحفه"، وأمَّا مالك بن مغول، فمثلهم في المعنى يقول: "سألت أبيَّ بن كعب عن السورتين اللَّتين ليستا في مُصحف عبدالله ... "؛ الحديث.

وأمَّا شيبان، فقال: "لا يكتبهما في مصحفه".

ومعلوم أنَّ هذه الزيادة لا تنافي ما رواه الأَوَّلون.

وأمَّا منصور، فقال: "كان يَحُكُّ المعوذتين من المصحف، ويقول: إنَّهما ليستا من كتابِ الله، فلا تَجعلوا فيه ما ليس منه".

تفرد بها أبو حفص الأَبَّار، ولا يَحتمل تفرده عند أصحاب الحديث.

وأما أبو بكر بن عياش قال: "إنَّ عبدالله يقول في المعوذتين: لا تلحقوا بالقرآن ما ليس منه".

وأبو بكر له أفراد أنكرها عليه الحُفَّاظ، وإن كان ثِقَة.

وكان يحدث من حفظه، فيُخطئ وهذا منها، فقد قال في رواية الإمام أحمد: إنَّ عبدالله يقول في المعوذتين هكذا مُبهمًا، ثم عند الطحاوي إبراهيم بن أبي داود ثنا أحمد بن عبدالله بن يونس مثل ما ذكرنا أولاً، وهو يُخالف الثِّقات فيما رَوَوْه عن عاصم.

ويبقى رواية سفيان بن عيينة، ففيها: يا أبا المنذر، إنَّ أخاك ابن مسعود يَحُكُّ المعوذتين من المصحف.

رواها عنه ثقتان كبيران هما الحميدي والشافعي، إضافة إلى الإمام أحمد.

وهذه الرِّواية الراجح فيها أنَّها بالمعنى؛ ذلك أنَّ ابن مسعود لا يعقل أن يَحُكَّ ما هو ثابت في مصحفه؛ إذ إنَّهما والفاتحة لم يكونوا مَكتوبات عنده أو من مصاحف أصحابه، فالضَّرورة تحكم بأنَّها من إملائه، والدليل أيضًا كما سنذكره لاحقًا.

والصواب: لا يكتب المعوذتين ولها توجيه، وليس فيها إنكار لقرآنيتهما.

هذه محصلةُ الرِّوايات عن عاصم، ومثلها عن عبدة بن أبي لبابة.

أمَّا أبو رزين وهو ثقة فاضل، فقد رواها هكذا عن زر بن حُبَيْش: "سألتُ أُبَيَّ بنَ كعب عن المعوذتين، فقال: ... "؛ الحديث مثل ما رواه الأربعة الأُوَل عن عاصم به.

والذي يترجح أنَّ زيادةَ: "لا يكتب المعوذتين" زيادة صحيحة، وهي ليس فيها إنكار للمعوذتين، ففرق بين الكتابة وبين القراءة.

ثانيًا: رواية أبي عبدالرحمن السلمي:

انفرد الطبراني بذكرها في "المعجم الكبير" [9151]، حدثنا سعيد بن عبدالرحمن التستري، ثنا محمد بن موسى الحرشي، ثنا عبدالحميد بن الحسن عن أبي إسحاق عن أبي عبدالرحمن السلمي عن ابن مسعود أنَّه كان يقول: "لا تَخلطوا بالقرآن ما ليس فيه، فإنَّما هما معوذتان تعوذ بهما النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم -: قل أعوذ برب الفلق، وقل أعوذ برب الناس"، وكان عبدالله يمحوهما من المصحف.

وهذا خبر ضعيف فيه:

¥

طور بواسطة نورين ميديا © 2015