وقال الإمام مالك بن أنس: كان جدِّي مالك بن أبي عامرٍ مِمَّن قرأ في زمان عثمان، وكان يكتبه المصاحفَ.
9 - كثير بن أفلح، كما في حديث ابن سيرين المتقدم.
وفيه قول محمد بن سيرين: فقلت لكَثِيرٍ - وكان فيهم (فيمن يكتب) -: هل تدرون لِمَ كانوا يُؤَخِّرونه؟ قال: لا، قال محمد: فظننت أنَّهم إنَّما كانوا يُؤَخِّرونه؛ لينظروا أحدثهم عهدًا بالعَرْضة الآخرة، فيكتبونَها على قوله.
وقد روي عن أبي المليح عن عثمان - رضي الله عنه - أنَّه حين أراد أن يكتب المصحف قال: تُمِلُّ هُذيلٌ، وتكتبُ ثَقِيفٌ.
وعن عمر بن الخطاب أنَّه قال: لا يُمْلِيَنَّ في مصَاحِفِنا إلاَّ غِلمانُ قُرَيشٍ وثَقِيفٍ.
أمَّا الأثر الوارد عن عمر بن الخطاب، فلا مدخل له هنا؛ إذ عمر قد مات قبل أن تكتب المصاحف في عهد عثمان - رضي الله عنه.
وأما الأثر الوارد عن عثمان، فإنه منقطعٌ؛ لأن أبا المليح لم يلقَ عثمان، كما أن فيه نَكارةً؛ لأنَّه مخالف للواقع، فليس فيمن ورد تسميتهم في الروايات أحدٌ من ثَقِيفٍ أو هُذَيْلٍ، بل كلهم إما قُرَشِيٌّ، وإمَّا أنصاريٌّ.
ومِمَّن ورد تسميتُهم أيضًا فيمن شارك في هذا الجمع بالكتابة أو الإملاء:
عبدالله بن عمر بن الخطاب، وعبدالله بن عمرو بن العاص، وأبان بن سعيد بن العاص.
وأبان بن سعيد بن العاص هو عمُّ سعيد بن العاص، أحدُ الأربعة الذين اختيروا للجمع، وقد ورد أنه شارك في هذا الجمع:
فعن عُمارة بن غزية عن ابن شهاب عن خارجة بن زيد عن زيد بن ثابت أنَّه قال: فأمرني عثمان أنْ أكتب له مصحفًا، وقال: إنِّي جاعلٌ معك رجلاً لَبيبًا فصيحًا، فما اجتمعتما عليه فاكتباه، وما اختلفتما فيه، فارفعاه إلَيَّ، فجعل معه أبان بن سعيد بن العاص.
وأبان بن سعيد بن العاص قُتِلَ في سنة اثنتي عشرة يوم أجنادين، قبل وفاة أبي بكر بقليل، أو سنة أربع عشرة يوم مرْج الصُّفْر، في صدر خلافة عمر، وقيل: إنَّه تُوفي سنة تسع وعشرين، والأول قولُ أكثرِ أهل النسب.
قال الحافظ: ووقع في رواية عُمارة بن غَزِيَّة "أبان بن سعيد بن العاص" بدل "سعيد"، قال الخطيب: ووهِم عُمارة في ذلك؛ لأَنَّ أبان قُتِل بالشام في خلافة عمر، ولا مدخلَ له في هذه القصة، والذي أقامه عثمان في ذلك هو سعيد بن العاص - ابن أخي أبان المذكور؛ اهـ.
وأمَّا منهج عثمان، فيتلخص فيما يلي:
أرسل عثمانُ إلى أمِّ المؤمنين حفصة بنت عمر، فبعثت إليه بالصُّحف التي جُمِعَ القرآن فيها على عهد أبي بكر - رضي الله عنه - وتسلمت اللجنة هذه الصُّحف، واعتبرتها المصدر الأساس في هذا الخَطْب الجَلَل، ثم أخذت في نسخها، حسب الدستور الذي وضعه لهم عثمان - رضي الله عنه - حيث قال للقرشيين الثلاثة:
"إذا اختلفتم أنتم وزيد بن ثابت في شيء من القرآن، فاكتبوه بلسان قريش، فإنَّما نزل بلسانهم".
ـ[القارئ المليجي]ــــــــ[25 - عز وجلec-2010, مساء 12:58]ـ
وفي الترمذي: "قال الزهري: فاختلفوا يومئذ في التابوت والتابوه، فقال القرشيون: التابوت، وقال زيدٌ: التابوه، فرُفعَ اختلافهم إلى عثمان، فقال: اكتبوه التابوت، فإنه نزل بلسان قريش".
وكان ما ذكر من منهجهم أنَّهم كانوا لا يكتبون شيئًا في هذه المصاحف إلاَّ بعد ما يتحققون منه أنَّه قرآن متلوٌّ، وغير منسوخ، وذلك بعرضه على حملته من قُرَّاء الصَّحابة، أمَّا لو ثبت نسخ شيء من ذلك، تركوه، وهو الذي يسمى اليوم: بـ "القراءات الشاذة".
فكتبت اللجنة مصاحف متعددة، بالمنهج الآتي:
• جردوا المصاحف كلها من النقط والشكل من أولها إلى آخرها.
• وَحَّدوا رَسْمَها فيما يلي:
أ - الكلمات التي لا تقرأ إلاَّ بوجه واحد، نحو: {إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ} [الفاتحة: 5].
ب - الكلمات التي تقرأ بأكثرَ من وجه، وكتابتها برسم واحد تُوافق قراءتَها بوجوهٍ مُختلفة موافقة حقيقة وصريحة، ويُساعد على ذلك تَجرُّدها من النقط والشكل، نحو: (يكذبون) بالتخفيف، وبالتشديد، و (فتبينوا)، و (فتثبتوا)، (وننشرها) بالزاي المنقوطة أو بالراء المهملة.
ج - الكلمات التي تقرأ بأكثر من وجه، وكتابتها برسم واحد توافق قراءتَها بوجوه مختلفة، تقديرًا واحتمالاً، نحو: (ملك) بحذف الألف وبإثباتها؛ حيث تحذف الألف من كلمات كثيرة؛ اختصارًا لكثرةِ ورودها فيها، وهي لا تُقْرَأُ إلاَّ بوجهٍ واحد، نحو: (الله)، (الرحمن)، (العلمين).
¥