فقد أخرج ابنُ أشتة في كتابِ المصاحف عن الليث بن سعد، قال: أوَّل من جمع القرآن أبو بكر، وكتبه زيدٌ، وكان الناس يأتون زيدَ بن ثابت، فكان لا يكتب آيةً إلا بشاهدي عَدْل، وإنَّ آخر سورة براءة لم توجد إلاَّ مع خزيْمة بن ثابت، فقال: اكتبوها، فإنَّ رَسُول اللهِ - صلَّى الله عليه وسلَّم - جعل شهادَتَه بشهادة رجلين، فكتب، وإنَّ عُمَر أتى بآية الرجم، فلم يكتبها؛ لأنَّه كان وَحْدَه.

ـ[القارئ المليجي]ــــــــ[25 - عز وجلec-2010, مساء 12:41]ـ

مزايا هذا الجمع:

كان لِجمع القرآن في عهد أبي بكر - رضي الله عنه - منزلةٌ عظيمة بين المسلمين، فلم يَحصل خلاف على شيء مِمَّا فيه، وامتاز بِمزايا عديدة، منها:

أنه جمع القرآنَ على أدقِّ وجوه البحث والتحرِّي، وأسلم أصول التثبت العلمي، كما مرَّ بنا في منهج أبي بكر في جمع القرآن.

حصول إجماع الأُمَّة على قَبوله، ورضا جميع المسلمين به.

بلوغُ ما جُمِع في هذا الجمع حَدَّ التواتر؛ إذ حضره وشهد عليه ما يزيد على عدد التواتُر من الصَّحابة - رضي الله عنهم.

أنَّه اقتصر في جمع القرآن على ما ثبت قرآنيته من الأحرف السبعة، بثبوت عرضه في العرضة الأخيرة، فكان شاملاً لما بَقِيَ من الأحرف السبعة، ولم يكن فيه شيءٌ مِمَّا نُسِخَت تلاوته.

أنَّه كان مرتبَ الآيات دون السور.

ولقد حَظِيَ هذا الجمع المبارك برضا المسلمين، وحصل عليه إجماعُ الصَّحابة - رضي الله عنهم - ولقي منهم العناية الفائقة.

فقد حفظت الصحف التي جُمع فيها القرآن عند أبي بكر - رضي الله عنه - حتى وفاته، ثم انتقلت إلى عمر - رضي الله عنه - حتى تُوُفِّي، ثم كانت بعد ذلك عند ابنته حفصة زوج رَسُول اللهِ - صلَّى الله عليه وسلَّم - فطلبها منها عثمان بن عفان - رضي الله عنه - فنسخ منها المصاحف إلى الأمصار، ثُمَّ أرجعها إليها، فكانت الصُّحف المجموعة في عهد أبي بكر - رضي الله عنه - هي الأساس لنسخ المصاحف في زَمن عثمان - رضي الله عنه - وهذا مِمَّا يدلُّ على مكانة هذا الجمع عند الصحابة - رضي الله عنهم.

قال زيد بن ثابت - رضي الله عنه -: وكانت الصحف التي جمع فيها القرآن عند أبي بكر حتى توفاه الله، ثم عند عمر حتى توفاه الله، ثم عند حفصة بنت عمر.

وعن علِيٍّ - رضي الله عنه - قال: رحمةُ اللهِ على أبي بكرٍ؛ كانَ أعظمَ الناسِ أجرًا في جمع المصاحفِ، وهو أوَّل من جمع بين اللَّوْحَيْنِ.

وعلى هذا، فقد ثبت إدراجُ المعوذتين في مصحف أبي بكر، وحصل لهما الإجماع بالقَبول والتلقي، كما حصل لسائر المصحف.

وفيه أيضًا إقرارُ ابنِ مسعود إذ كان حاضِرًا هذا الجمع، ولم ينكر شيئًا مما جمع وكتب.

قال الشافعي فيما نقله عنه البيهقي في "السنن الكبرى" (2/ 550): "هما (أي: المعوذتان) مكتوبتان في المصحف الذي جمع على عهد أبي بكر، ثُمَّ كان عند عمر، ثُم عند حفصة، ثم جمع عثمان عليه الناس، وهما من كتاب الله، وأنا أحبُّ أن أقرأَ بهما في صلاتي".

ولم ينقل إلينا إنكار ابن مسعود لشيء مما في مصحف أبي بكر، وأمَّا إخبار الكوفيين من أصحابه على ما فيها من عدم الدلالة للإنكار، فإنَّهم عرضوا عليه القرآن في الكوفة، وهذا في عام 21 للهجرة؛ أي: بعد الجمع بأكثر من سبع سنين، فأفاد ذلك دخوله الإجماع على المصحف، وعدم ثبوت المخالفة لأي حرف مما فيه.

بل أكثر من ذلك كان ابنُ مسعود من أخصِّ أصحاب عمر، يدُلُّ على ذلك قولُ عمر في رسالته لأهلِ الكوفة: وقد آثرتكم بابن مسعود على نفسي، والسؤال: هل علم ابن مسعود بنسخ المعوذتين، ولم ينكر على الصَّحابة? وهو أوَّل مَن جهر بالقرآن بين ظهراني قريش، ولَقِيَ في سبيلِ الله ما لقي.

شهود ابن مسعود العرضة الأخيرة:

روى الإمام أحمد في "مسنده"، والبخاري في "خلق أفعال العباد"، والنَّسائي في "الكبرى" و"فضائل الصحابة"، والحاكم في "مستدركه"، والبزار في "مُسنده"، والضياء في "المختارة"، وابن سعد في "الطبقات"، والطبراني في "مُعجمه"، والطحاوي في "مشكل الآثار"، و"معاني الآثار" من حديث ابن عباس قال: أيَّ القراءتين تعدُّون أولَ؟ قالوا: قراءة عبدالله، قال: لا، بل هي الآخرة، كان يعرض القرآن على رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - كُلَّ عامٍ مَرَّة، فلمَّا كان العام الذي قُبض فيه، عرض عليه مَرَّتين، فشهده.

وفيه زيادة "فشهد عبدالله ما نسخ وبدل".

¥

طور بواسطة نورين ميديا © 2015