أما الموضع الآخر الدى استخدام فيه (نعما) جاء في سياق بيان شرائع العدل في الحكم بين الناس، ونظام الطاعة وأوامره وشرائعه الكاملة العظيمة الشاملة، وهذه الأغراض التشريعية الكبرى تضمنتها سورة النساء (3). في قوله تعالي: {إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُكُمْ أَن تُؤدُّواْ الأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُم بَيْنَ النَّاسِ أَن تَحْكُمُواْ بِالْعَدْلِ إِنَّ اللّهَ نِعِمَّا يَعِظُكُم بِهِ إِنَّ اللّهَ كَانَ سَمِيعاً بَصِيراً} (4) نلاحظ أن المدح باستخدام نمط (نعم- ما) قد جاء خبرا لأنَّ الناسخة، والتي وقعت جملتها تعليلية لما سبق في إطار الأمر العام للنبي (صلى الله عليه وسلم) وأمته يقول صاحب التحرير والتنوير: ((وجمله إن الله نعما يعظكم به واقعه موقع التحريض على امتثال الأمر، فكانت بمنزله التعليل وأغنت (إن)
ـــــــــــ
1 ـ التحرير والتنوير 3/ 66 - 67، وينظر النحو وكتب التفسير, للدكتور إبراهيم عبد الله, رفيدة المنشأة العامة للنشر والتوزيع، طرابلس , ليبيا، 1984,1/ 264,589.
2 - الحجة للقراء السبعة, تحقيق بدر الدين قهوجي وآخرين، دار المأمون للتراث، بيروت, لبنان , ط1 1984 3/ 399، وينظر: معاني القرآن للفراء 1/ 220 - 221 , والكشاف 1/ 397، وشرح المفصل 7/ 134،, 1984 2/ 399 , وينظر معاني القرآن للفراء 1/ 220 - 221 , والكشاف 1/ 397 ,وشرح المفصل 7/ 134, وتفسير ابن كثير1/ 367، والمحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز للغزناطي تحقيق أحمد صادق الملاح، المجلس الأعلى للشؤون الإسلامية، 2/ 256 - 257 القاهرة، 1979، وروح المعاني 2/ 43.
3 - ينظر: تفسير ابن كثير 2/ 107، والتحرير والتنوير، 5/ 91.
4 - سورة النساء الآية: 58
ــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــ
عن ذكر ياء التعقيب كما هو إذا جاءت إن للاهتمام وما في موضع يا الخبر دون التأكيد (1). نصب علي التميز للضمير المرتفع نعم وجملة (يعظكم به) صفه علي خصوص المدح، وهو محذوف، والتقدير: نعم الشيء شيئا يعظكم به، أي نعم الواعظ يعظكم به , وحذف الموصوف علي قوله ((من الدين هادوا يحرفون الكلام عن)) و المعنى قوم يحرفون , كما ويجوز فيها أن تكون مرفوعة موصولة , مثل نعم شيئا يعظكم به، أو نعم الشيء الذي يعظكم به تأدية الأمانة والحكم بالعدل والجملة بعدلها صلتها (2).
ومثال المدح بما أشبه (نعم) قوله تعالى {وَمَن يُطِعِ اللّهَ وَالرَّسُولَ فَأُوْلَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللّهُ عَلَيْهِم مِّنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاء وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَئِكَ رَفِيقا} (3) وفي سياق العرض لجزاء من أطاع الله ورسوله، فالتزم ما أمر الله به وانتهى عما نهى الله عنه، فبين الله سبحانه أن جزاءهم الرفقة في الجنة مع النبيين ومن بعدهم في الرتبة من الصديقين والشهداء، وهم الذين أنعم الله عليهم مع عموم المؤمنين، وهم الصالحون الذين صلحت سرائرهم وعلانيتهم، وأن جملة جواب الشرط التي جاء أسلوب المدح متوجا لها بُدئت باسم الإشارة (أولئك) للشبه على جدارة المطيعين بمضمون خبر اسم الإشارة (4).
وفي هده الآية جاء أسلوب المدح بفعل يلحق بنعم , مضمن معنى التعجب ((كأنه قيل: وما أحسن أولئك رفيقا)) (5).
إن الفعل (حسن مضمن بمعنى التعجب من حسن رفقة المطيعين للنبيين والصديقين والشهداء بالجنة، على وزن فَعُلَ شأنه شأن الثلاثي مفتوح الهاء مضموم العين في دلالته على المدح أو الذم، بالإضافة إلى التعجب، وفاعله (أولئك)، ورفيقا تمييز، ((أي ما أحسنهم، حسن من جنس الرفقاء)) (6).
ــــــــــــــ
1ـ التحرير والتنوير، ابن عاشور، 5/ 96 , وينظر معاني القرآن وإعرابه، الزجاج، 2/ 66 - 67.
2ـ ينظر معاني القران، الفراء، 1/ 367، والكشاف، الزمخشري، 1/ 535، وشرح المفصل، ابن يعيش7/ 134، وشرح الرضي، 4/ 250 , وروح المعاني، الألو سي 3/ 69.
3 - سورة النساء الآية: 69.
4 ـ ينظر تفسير ابن كثير 2/ 115 - 116، والتحرير والتنوير، 5/ 116.
5ـ الكشاف 1/ 540.
¥