وفي تسلسل الأحاديث في كتب السنة نلاحظ أنهم يقولون: حدثنا فلان عن فلان ويكررون ذلك مرة أو مرات عديدة حتى يصلوا إلى أخبرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم فالرسول الكريم يخبر بالحديث ثم يتناقله الصحابة فيما بينهم ويستمر تناقل الحديث حتى يعم وينتشر.

لماذا جاء ترتيب الآيات على هذا النحو؟ (فأما اليتيم فلا تقهر، وأما السائل فلا تنهر، وأما بنعمة ربك فحدث).

أثار هذا الترتيب الكثير من الأسئلة عند المفسرين لماذا رتبت الآيات على هذه الصورة لأنه لا يرد بنفس تسلسل الآيات السابقة (الم يجدك يتيما فآوى، ووجدك ضالا فهدى، ووجدك عائلاً فأغنى).

لنستعرض الآيات واحدة واحدة: أما اليتيم فلا تقهر جاءت بنفس تسلسل الآية (ألم يجدك يتيما فآوى) نفس النسق.

, أما السائل فلا تنهر كان من المفروض أن تأتي مقابلة للآية (ووجدك عائلا فأغنى) لكنها جاءت في مقابل الآية (ووجدك ضالاً فهدى)

(وأما بنعمة ربك فحدث)،كان يجب أن تقدم باعتبار النعمة دين ويجب أن تكون مقابل (ووجدك ضالاً فهدى)

لكن الواقع أن ترتيب الآيات كما ورد في السورة هو الترتيب الأمثل، كيف؟ اليتيم ذكر أولا مقابل اليتيم، ثم ذكر (وأما السائل فلا تنهر) قلنا سابقا أن السائل يشمل سائل العلم والمال وهنا اخذ بعين الاعتبار السائل عن المال والسائل عن العلم فهي إذن تكون مقابل (ووجدك ضالاً فهدى) وأيضاً (ووجدك عائلا فأغنى) لان السائل عن المال يجب أن لا ينهر والسائل عن العلم يجب أن لا ينهر أيضاً وعليه فان الآية جاءت في المكان المناسب لتشمل الحالتين ومرتبطة بالاثنين تماما.

(وأما بنعمة ربك فحدث)، هي في أنسب ترتيب لها فان كان المقصود بالنعمة كل ما أصاب الإنسان من خير في الدنيا فلا يمكن أن نتحدث عن النعمة إلا بعد وقوعها وليس قبل ذلك. والآيات السابقة تذكر نعم الله على الرسول فاقتضى السياق أن يكون التحدث بالنعمة آخراً أي بعد حدوث كل النعم على الرسول صلى الله عليه وسلم.

وإذا كان المقصود بالنعمة الدين، فيجب أن يكون التحديث في المرحلة الأخيرة لأن على الداعية أن يتحلى بالخلق الكريم وفيه إشارة أن الإنسان إذا أتاه سائل عليه أن يتصف بهذه الصفات قبل أن يبلغ الناس عن النعمة (الدين) فعليه أن لا يقهر يتيماً ولا ينهر سائلاً ولا يرد عائلاً وقد جاءت هذه الآية بعد إسباغ النعم وهو توجيه للدعاة قبل أن يتحدثوا أن يكونوا هينين لينين فقد قال تعالى (ولو كنت فظاً غليظ القلب لانفضوا من حولك) فعلى الداعية أن يتحلى بالخلق الحسن ولا ينهر سائلاً.

وكذلك جعل التحديث بالنعمة (وأما بنعمة ربك فحدث) جاءت بعد (وأما السائل فلا تنهر) لان كل داعية يتعرض لأسئلة محرجة أحيانا تكون لغاية الفهم وقد تكون لنوايا مختلفة فعليه أن يتسع صدره للسائل مهما كانت نية السائل أو قصده من السؤال وعلى الداعية أن لا يستثار وإلا فشل في دعوته وقد يكون هذا هو قصد السائل أصلاً

من الدروس المستفادة من هذه السورة إضافة إلى ما سبق انه يحسن للإنسان تذكر أيام العسر والضيق لأنه مدعاة للشكر ومدعاة لمعاونة المبتلى أيضاً لذا يجب التذكير بالماضي وما يتقلب فيه المرء من نعم ليشكر الله تعالى عليها مهما كان في ماضيه من أذى أو حرج أو ضيق فلا بأس أن يتذكر أو يذكر به حتى يشكر الله تعالى على نعمه فيكون من الشاكرين لله تعالى.

.

ما الفروق الدلالية بين فعل سار ومشى؟

السير غير المشي في اللغة ويقال سار القوم إذا امتدّ بهم السير من جهة إلى جهة معينة. والسير في القرآن الكريم يكون لغرض وإلي جهة ما وهو إما للعظة والإعتبار أو للتجارة

أو غير ذلك كما في قوله تعالى (فلما قضى موسى الأجل وسار بأهله) سورة القصص

فالسير هنا ممتد من مدين إلى مصر وهو ليس مشياً.

وقد يكون معنى السير السير لفترة طويلة للعبرة والإتّعاظ كما في قوله تعالى

(قل سيروا في الأرض ثم انظروا) وقد ورد هذا المعنى للسير في 11 آية قرآنية

(أفلم يسيروا في الأرض) (قل سيروا في الأرض فانظروا) والسير هنا هو الإمتداد

وكما قلنا يكون في القرآن الكريم إما لمسافة طويلة بغرض التجارة

وإما لغرض العبرة والإتّعاظ.

أما المشي فهو مجرد الإنتقال بالحركة وليس بالضرورة توجّه إلى هدف محدد

كما في قوله تعالى (وعباد الرحمن الذين يمشون على الأرض هونا).

¥

طور بواسطة نورين ميديا © 2015