وسياق الآية كما يلي: قال تعالى: {قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِكُمْ سُنَنٌ فَسِيرُواْ فِي ?لأَرْضِ فَ?نْظُرُواْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ ?لْمُكَذِّبِينَ} * {هَـ?ذَا بَيَانٌ لِّلنَّاسِ وَهُدًى وَمَوْعِظَةٌ لِّلْمُتَّقِينَ} * {وَلاَ تَهِنُوا وَلاَ تَحْزَنُوا وَأَنْتُمُ الأَعْلَوْنَ إِنْ كُنْتُمْ مُّؤْمِنِينَ} * {إِن يَمْسَسْكُمْ قَرْحٌ فَقَدْ مَسَّ ?لْقَوْمَ قَرْحٌ مِّثْلُهُ وَتِلْكَ ?لأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ ?لنَّاسِ وَلِيَعْلَمَ ?للَّهُ ?لَّذِينَ آمَنُواْ وَيَتَّخِذَ مِنكُمْ شُهَدَآءَ وَ?للَّهُ لاَ يُحِبُّ ?لظَّالِمِينَ} * {وَلِيُمَحِّصَ ?للَّهُ ?لَّذِينَ آمَنُواْ وَيَمْحَقَ ?لْكَافِرِينَ} * {أَمْ حَسِبْتُمْ أَن تَدْخُلُواْ ?لْجَنَّةَ وَلَمَّا يَعْلَمِ ?للَّهُ ?لَّذِينَ جَاهَدُواْ مِنكُمْ وَيَعْلَمَ ?لصَّابِرِينَ} * {وَلَقَدْ كُنْتُمْ تَمَنَّوْنَ ?لْمَوْتَ مِن قَبْلِ أَن تَلْقَوْهُ فَقَدْ رَأَيْتُمُوهُ وَأَنْتُمْ تَنظُرُونَ}
في تفسير ابن كثير: يقول تعالى مخاطباً عباده المؤمنين الذين أصيبوا يوم أُحد، وقتل منهم سبعون: {قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِكُمْ سُنَنٌ} أي: قد جرى نحو هذا على الأمم الذين كانوا من قبلكم من أتباع الأنبياء، ثم كانت العاقبة لهم، والدائرة على الكافرين، ولهذا قال تعالى: {فَسِيرُواْ فِى ?لأَرْضِ فَ?نْظُرُواْ كَيْفَ كَانَ عَـ?قِبَةُ ?لْمُكَذِّبِينَ} ثم قال تعالى: {هَـ?ذَا بَيَانٌ لِّلنَّاسِ} يعني: القرآن فيه بيان الأمور على جليتها، وكيف كان الأمم الأقدمون مع أعدائهم {وَهُدًى وَمَوْعِظَةٌ} يعني: القرآن فيه خبر ما قبلكم. و {هُدًى} لقلوبكم، و {وَمَوْعِظَةٌ لِّلْمُتَّقِينَ} أي: زاجر عن المحارم والمآثم. ثم قال تعالى مسلياً للمؤمنين: {وَلاَ تَهِنُوا} أي: لا تضعفوا بسبب ما جرى {وَلاَ تَحْزَنُوا وَأَنتُمُ الأَعْلَوْنَ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ} أي: العاقبة والنصرة لكم أيها المؤمنون {إِن يَمْسَسْكُمْ قَرْحٌ فَقَدْ مَسَّ ?لْقَوْمَ قَرْحٌ مِّثْلُهُ} أي: إن كنتم قد أصابتكم جراح، وقتل منكم طائفة، فقد أصاب أعداءكم قريب من ذلك من قتل وجراح {وَتِلْكَ ?لأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ ?لنَّاسِ} أي: نديل عليكم الأعداء تارة، وإن كانت لكم العاقبة؛ لما لنا في ذلك من الحكمة، ولهذا قال تعالى: {وَلِيَعْلَمَ ?للَّهُ ?لَّذِينَ ءَامَنُواْ} قال ابن عباس: في مثل هذا؛ لنرى من يصبر على مناجزة الأعداء {وَيَتَّخِذَ مِنكُمْ شُهَدَآءَ} يعني: يقتلون في سبيله، ويبذلون مهجهم في مرضاته {وَ?للَّهُ لاَ يُحِبُّ ?لظَّـ?لِمِينَ وَلِيُمَحِّصَ ?للَّهُ ?لَّذِينَ ءَامَنُواْ} أي: يكفر عنهم من ذنوبهم إن كانت لهم ذنوب. وإلا رفع لهم في درجاتهم بحسب ما أصيبوا به. وقوله: {وَيَمْحَقَ ?لْكَـ?فِرِينَ} أي: فإنهم إذا ظفروا، بغوا وبطروا، فيكون ذلك سبب دمارهم وهلاكهم ومحقهم وفنائهم، ثم قال تعالى: {أَمْ حَسِبْتُمْ أَن تَدْخُلُواْ ?لْجَنَّةَ وَلَمَّا يَعْلَمِ ?للَّهُ ?لَّذِينَ جَـ?هَدُواْ مِنكُمْ وَيَعْلَمَ ?لصَّـ?بِرِينَ} أي: أحسبتم أن تدخلوا الجنة، ولم تبتلوا بالقتال والشدائد؟ كما قال تعالى في سورة البقرة: {أَمْ حَسِبْتُمْ أَن تَدْخُلُواْ ?لْجَنَّةَ وَلَمَّا يَأْتِكُم مَّثَلُ ?لَّذِينَ خَلَوْاْ مِن قَبْلِكُم مَّسَّتْهُمُ ?لْبَأْسَآءُ وَ?لضَّرَّآءُ وَزُلْزِلُواْ} [البقرة: 214] الآية. وقال تعالى: {ال?ـم? أَحَسِبَ ?لنَّاسُ أَن يُتْرَكُو?اْ أَن يَقُولُو?اْ آمَنَّا وَهُمْ لاَ يُفْتَنُونَ} الآية، ولهذا قال ههنا: {أَمْ حَسِبْتُمْ أَن تَدْخُلُواْ ?لْجَنَّةَ وَلَمَّا يَعْلَمِ ?للَّهُ ?لَّذِينَ جَـ?هَدُواْ مِنكُمْ وَيَعْلَمَ ?لصَّـ?بِرِينَ} أي: لا يحصل لكم دخول الجنة حتى تبتلوا، ويرى الله منكم المجاهدين في سبيله، والصابرين على مقاومة الأعداء. وقوله: {وَلَقَدْ كُنتُمْ تَمَنَّوْنَ ?لْمَوْتَ مِن قَبْلِ أَن تَلْقَوْهُ فَقَدْ رَأَيْتُمُوهُ وَأَنتُمْ تَنظُرُونَ} أي: قد كنتم أيها المؤمنون قبل هذا اليوم، تتمنون لقاء العدو، وتتحرّقون عليهم، وتودون مناجزتهم ومصابرتهم، فها قد حصل لكم الذي تمنيتموه وطلبتموه، فدونكم فقاتلوا وصابروا، وقد ثبت في الصحيحين أن رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: " لا تتمنوا لقاء العدو، وسلوا الله العافية، فإذا لقيتموهم، فاصبروا، واعلموا أن الجنة تحت ظلال السيوف " ولهذا قال تعالى: {فَقَدْ رَأَيْتُمُوهُ} يعني: الموت، شاهدتموه وقت لمعان السيوف وحد الأسنة واشتباك الرماح وصفوف الرجال للقتال. والمتكلمون يعبرون عن هذا بالتخييل، وهو مشاهدة ما ليس بمحسوس كالمحسوس؛ كما تتخيل الشاة صداقة الكبش، وعداوة الذئب.
3 - الرحمة: قال تعالى: {هُدًى وَرَحْمَةً لِلْمُحْسِنِينَ} لقمان/ 3.
وسياق الآية في قوله تعالى: {ال?ـم?} * {تِلْكَ آيَاتُ ?لْكِتَابِ ?لْحَكِيمِ} * {هُدًى وَرَحْمَةً لِّلْمُحْسِنِينَ} * {?لَّذِينَ يُقِيمُونَ ?لصَّلاَةَ وَيُؤْتُونَ ?لزَّكَاةَ وَهُمْ بِ?لآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ} * {أُوْلَـ?ئِكَ عَلَى? هُدًى مِّن رَّبِّهِمْ وَأُوْلَـ?ئِكَ هُمُ ?لْمُفْلِحُونَ}
في تفسير ابن كثير: تقدم في سورة البقرة عامة الكلام على ما يتعلق بصدر هذه السورة، وهو أنه سبحانه وتعالى جعل هذا القرآن هدى وشفاء ورحمة للمحسنين، وهم الذين أحسنوا العمل في اتباع الشريعة، فأقاموا الصلاة المفروضة بحدودها وأوقاتها، وما يتبعها من نوافل راتبة وغير راتبة، وآتوا الزكاة المفروضة عليهم إلى مستحقيها، ووصلوا أرحامهم وقراباتهم، وأيقنوا بالجزاء في الدار الآخرة، فرغبوا إلى الله في ثواب ذلك، لم يراؤوا به، ولا أرادوا جزاء من الناس ولا شكوراً، فمن فعل ذلك كذلك، فهو من الذين قال الله تعالى: {أُوْلَـ?ئِكَ عَلَى? هُدًى مِّن رَّبِّهِمْ} أي: على بصيرة وبينة ومنهج واضح جلي، {وَأُوْلَـ?ئِكَ هُمُ ?لْمُفْلِحُونَ} أي: في الدنيا والآخرة.
¥