المؤمنون الذين يتقون الشرك بي، ويعملون بطاعتي. وقال محمد بن إسحاق: عن محمد بن أبي محمد مولى زيد بن ثابت عن عكرمة أو سعيد بن جبير عن ابن عباس: {لِلْمُتَّقِينَ} قال: الذين يحذرون من الله عقوبته في ترك ما يعرفون من الهدى، ويرجون رحمته في التصديق بما جاء به. وقال سفيان الثوري عن رجل عن الحسن البصري: قوله تعالى: للمتقين، قال: اتقوا ما حرم الله عليهم، وأدّوا ما افترض عليهم. وقال أبو بكر بن عياش: سألني الأعمش عن المتقين، قال: فأجبته، فقال لي: سل عنها الكلبي، فسألته، فقال: الذين يجتنبون كبائر الإثم. قال: فرجعت إلى الأعمش، فقال: يرى أنه كذلك، ولم ينكره. وقال قتادة: للمتقين، هم الذين نعتهم الله بقوله: {?لَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِ?لْغَيْبِ وَيُقِيمُونَ ?لصَّلو?ةَ} [البقرة: 3] الآية والتي بعدها، واختيار ابن جرير أن الآية تعم ذلك كله، وهو كما قال. وقد روى الترمذي وابن ماجه من رواية أبي عقيل عبد الله بن عقيل عن عبد الله بن يزيد عن ربيعة بن يزيد وعطية بن قيس عن عطية السعدي قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " لا يبلغ العبد أن يكون من المتقين حتى يدع ما لا بأس به حذراً مما به بأس " ثم قال الترمذي: حسن غريب. وقال ابن أبي حاتم: حدّثنا أبي حدّثنا عبد الله بن عمران عن إسحاق بن سليمان يعني الرازي عن المغيرة بن مسلم عن ميمون أبي حمزة قال: كنت جالساً عند أبي وائل، فدخل علينا رجل يقال له أبو عفيف من أصحاب معاذ، فقال له شقيق بن سلمة: يا أبا عفيف ألا تحدّثنا عن معاذ بن جبل؟ قال: بلى، سمعته يقول: يحبس الناس يوم القيامة في بقيع واحد، فينادي مناد: أين المتقون؟ فيقومون في كنف من الرحمن، لا يحتجب الله منهم ولا يستتر. قلت: من المتقون؟ قال: قوم اتقوا الشرك وعبادة الأوثان، وأخلصوا لله العبادة، فيمرون إلى الجنة. ويطلق الهدى ويراد به ما يقرّ في القلب من الإيمان، وهذا لا يقدر على خلقه في قلوب العباد إلا الله عز وجل، قال الله تعالى: {إِنَّكَ لاَ تَهْدِى مَنْ أَحْبَبْتَ}
[القصص: 56] وقال {لَّيْسَ عَلَيْكَ هُدَاهُمْ} [البقرة: 272] وقال: {مَن يُضْلِلِ ?للَّهُ فَلاَ هَادِيَ لَهُ} [الأعراف: 186] وقال: {مَن يَهْدِ ?للَّهُ فَهُوَ ?لْمُهْتَدِ وَمَن يُضْلِلْ فَلَن تَجِدَ لَهُ وَلِيًّا مُّرْشِدًا} [الكهف: 17] إلى غير ذلك من الآيات. ويطلق ويراد به بيان الحق وتوضيحه، والدلالة عليه والإرشاد إليه، قال الله تعالى: {وَإِنَّكَ لَتَهْدِى? إِلَى? صِرَ?طٍ مُّسْتَقِيمٍ} [الشورى: 52] وقال: {إِنَّمَآ أَنتَ مُنذِرٌ وَلِكُلِّ قَوْمٍ هَادٍ}
[الرعد: 7] وقال تعالى: {وَأَمَّا ثَمُودُ فَهَدَيْنَـ?هُمْ فَ?سْتَحَبُّواْ ?لْعَمَى? عَلَى ?لْهُدَى?} [فصلت: 17] وقال:
{وَهَدَيْنَـ?هُ ?لنَّجْدَينِ} [البلد: 10] على تفسير من قال: المراد بهما الخير والشر، وهو الأرجح، والله أعلم. وأصل التقوى: التوقي مما يكره؛ لأن أصلها وقوى من الوقاية. قال النابغة:
سَقَطَ النَّصِيفُ ولَمْ تُرِدْ إِسْقاطَهُ
فَتَناوَلَتْهُ وَاتَّقَتْنا بِاليَدِ
وقال الآخر:
فَأَلْقَتْ قِناعاً دونَهُ الشَّمْسُ واتَّقَتْ
بِأَحْسَنِ مَوْصُولَيْنِ كَفَ وَمِعْصَمِ
وقد قيل إن عمر بن الخطاب رضي الله عنه سأل أبي بن كعب عن التقوى، فقال له: أما سلكت طريقاً ذا شوك؟ قال: بلى، قال: فما عملت؟ قال: شمرت، واجتهدت، قال: فذلك التقوى. وقد أخذ هذا المعنى ابن المعتز فقال:
خَل الذُّنُوبَ صَغِيْرها
وكَبِيْرَها ذاك التُّقَى
واصْنَعْ كَماشٍ فَوْقَ أر
ضِ الشَّوْكِ يَحْذَرُ ما يَرَى
لا تَحْقِرَنَّ صغيرةً
إِنّ الجِبالَ مِنَ الحَصَى
وأنشد أبو الدرداء يوماً:
يريدُ المرءُ أَنْ يُؤْتَى مُناهُ
ويَأْبى اللّهُ إِلاَّ ما أَرادا
يقولُ المَرْءُ فائِدَتي ومَالِي
وتَقْوَى اللّهِ أَفْضَلُ ما اسْتَفادا
وفي سنن ابن ماجه عن أبي أمامة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " ما استفاد المرء بعد تقوى الله خيراً من زوجة صالحة، إن نظر إليها سرته، وإن أمرها أطاعته، وإن أقسم عليها أبرته، وإن غاب عنها نصحته في نفسها وماله ".
2 - الموعظة: قال تعالى: {هَذَا بَيَانٌ لِلنَّاسِ وَهُدًى وَمَوْعِظَةٌ لِلْمُتَّقِينَ} آل عمران/ 138.
¥