ومعنى " التفصيل "؛ في نحو قوله تعالى:
{إنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ إمَّا شَاكِرًا وَإمَّا كَفُورًا} (الإنَّسان 3)
وكلَّها معانٍ لا يمكن أن تؤدِّيها (إنْ) وهي مفردة بسيطة.
وبعد هذا العرض المفصَّل لتركيب هذه الحروف وموقف النحاة منه نتوقف الآن لنستخلص أهمَّ الآثار التي يحدثها التركيب في حروف المعاني بالإضافة إلى تغيير معانيها، والتي من أهمها:
-قلب معنى الحرف من النفي إلى الإيجاب؛ وذلك كما في حرف النفي (لا) عندما تركَّب مع همزة الإنكار، وأصبحا يدلاَّن على التنبيه والاستفتاح.
-قلب معنى الحرف من الإيجاب إلى النفي؛ وذلك كما في (أنْ) الناصبة للفعل المضارع الدالة على إمكان الفعل، فإنَّها بعد أن تركَّبت مع (لا) عادت تدلُّ على نفي إمكان الفعل.
-إمكانية الوقوف على الحرف بعد أن كان يمتنع الوقوف عليه بتاتاً؛ وذلك كما في حرف العطف (بل) عندما تركَّب مع (الألف)، وأصبح حرفَ جوابٍ يوقَف عليه كباقي حروف الجواب.
-استغناءحرف الجرِّ عمَّا كان يتعلَّق به؛ وذلك كما في حرف التشبيه (الكاف) عندما تركب مع (إنَّ)، فإنَّه أصبح له صدر الجملة، ولم يعدْ بحاجة لشيءٍ متقدِّم عليه يتعلَّق به.
-جواز حذف الفعل بعده إذا دلَّ عليه دليل بعد أن كان فعله لا يُحذف إلاَّ في الضرورة؛ وذلك كما في حرف الجزم (لم) عندما تركَّب مع (ما) الزائدة، فقد أصبح من الممكن أن يُقال معه: شرف زيدٌ المدينةَ ولمَّا، أي: ولمَّا يدخلها.
-انقلاب الحرف اسماً؛ وذلك كما في (لم) عندما تركَّب مع (ما)، فقد عُدَّ ظرفاً بمعنى (حين) في نحو: لمَّا جئتَ جئتُ.
-انقلاب الاسم حرفاً؛ وذلك كما في الظرف (إذ) عندما تركَّب مع (ما)، فإنَّه أصبح حرف شرطٍ يدلُّ على الزمن المستقبل بعد أن كان ظرفاً للزمن الماضي.
-فَقْدُ الحرف لعمله؛ وذلك كما في حرف العطف (إمَّا) المركَّب من
(إن) الشرطيَّة و (ما) الزائدة، فإنَّ (إنْ) بعد التركيب ابتعدت كثيراً عن معنى الشرط وعمله، وأصبحت تؤدِّي معاني (أو) العاطفة من شكٍّ وإبهامٍ وتخييرٍ وإباحةٍ وتفصيل ...
-أنَّ الحرف المركَّب يختلف عن الحرف المزيد في أنَّ المركَّب لم تستعمله العرب إلاَّ بصورته المركَّبة، أمَّا المزيد فكما أنَّها استعملته مزيداً استعملته أيضاً وهو مجرَّد؛ وذلك كما في الحرف (إمَّا) فإنَّه لمَّا عُدَّ مركَّباً في باب العطف لم يُستخدم فيه إلاَّ مركَّباً، ولكن عندما عُدَّ مزيداً في باب الشرط استُخدم فيه بصورتيه المزيدة (إمَّا) والمجردة (إنْ) ... والله أعلم
الهوامش والتعليقات
(1) انظر: العين 3/ 211؛ تهذيب اللغة 5/ 12؛ المحكم 3/ 229؛ اللسان 9/ 41.
(2) أسرار العربية 12.
(3) انظر: ارتشاف الضرب 3/ 255.
(4) انظر: شرح المفصَّل 1/ 28؛ جواهر الأدب 448.
(5) هو يعيش بن علي بن يعيش، من كبار أئمة العربية، أخذ عن جلةٍ من العلماء، منهم: أبو اليمن الكندي، وأبو الفضل الطوس-ي، له مصنفات عدَّة منها: (شرح المفصَّل)، (شرح الملوكي لابن جني) توفي سنة (643ه).
- انظر ترجمته في: إنباه الرواة 4/ 45؛ إشارة التعيين 388؛ البلغة 243؛ بغية الوعاة 2/ 351.
(6) شرح المفصَّل 1/ 65، وانظر: اللباب 2/ 33.
(7) شرح المفصَّل 8/ 80.
(8) التعريفات 84.
(9) انظر: الأشباه والنظائر 1/ 94_100.
(10) على الرغم من أنَّ ابن الحاجب قد وضَّح في أماليه 4/ 118 أنَّ تسمية هذا الحرف بحرف
(التنبيه) أولى من تسميته بحرف (الاستفتاح) إلَّا إنَّ رأي الإربلي الذي ردَّ به على ابن الحاجب كان أجدر بالأخذ؛ إذ يقول: (والصحيح عندي أنَّه حرف تنبيه إذا كان الغرض من إدخاله تنبيه المخاطب لئلا يفوته المقصود بغفلته عنه، وحرف استفتاح إذا كان الغرض مجرد تأكيد مضمون الجملة وتحقيقه). جواهر الأدب 416، وانظر: المغني 1/ 68.
¥