و (كأنَّ) عن العمل (88)، إلَّا إنَّها مع " إذ " لازمة ومع " إنَّ " و" كأنَّ " غير لازمة، وهذا هو التغيير الذي حدث ل (ما) " الكافة " بعد تركيبها مع (إذ)، أمَّا (إذ) فإنها بعد أن تركَّبت مع (ما) تغيَّرت تغيراً تاماً، حيث إنها انتقلت من الاسمية إلى الحرفية، يقول سيبويه: (ولا يكون الجزاء في " حيث " ولا في " إذ " حتى يضمَّ إلى كل واحد منهما " ما " فتصير " إذ " مع " ما " بمنزلة: إنَّما وكأنَّما، ليست " ما " فيهما
(أي: في إذ وحيث) بلغو، ولكن كلُّ واحدٍ منهما مع " ما " بمنزلة حرفٍ واحد) (89)، ولم يقف التغيير الذي أحدثه التركيب في هذا الاسم عند هذا الحدِّ، وإنَّما صرفه من الدلالة على الزمن الماضي إلى المستقبل؛ لأنَّ الشرط مختصٌّ بالمستقبل، يقول الجرجاني (90): (والتغيير في " إذ " … أنَّه يُصرف عن المضي إلى الاستقبال، ألا ترى أنَّ الجزاء لا يكون بالماضي، وقوله: إذ ما أتيتَ، بمنزلة قولك: إذ ما تأتِ، وتغيير المعنى يقتضي تغيير اللفظ، فإلزامه " ما " يدلُّ على تغيير معناه) (91).
الحرف التاسع: حرف الردع والزجر (92) (كلاَّ)
ويُنسب (93) القول بتركيبها إلى ثعلب (94)، فهي مركَّبة عنده من (كاف) التشبيه و (لا) النافية (وقال: إنَّما شُدِّدت لامها لتقوية المعنى، ولدفع توهم بقاء معنى الكلمتين) (95)، والمتتبع للمعاني المختلفة التي أدَّتها (كلاَّ) في جميع استعمالاتها سيتبيَّن له أنَّها لم يبقَ فيها أثرٌ للمعنيين " النفي " و" التشبيه "، وخير دليلٍ نسوقه على ذلك ورودها في السياق القرآني العظيم … عندما وردت (في ثلاثةٍ وثلاثين موضعا في خمس عشرة سورة ليس في النصف الأوَّل من ذلك شيء) (96)، وهي في جميع تلك المواضع قد أدَّت معانيَ مختلفة لم يكن النفي أو التشبيه أحدها؛ فقد جاءت على خمسة
معانٍ (97):
أحدها: الردع والزجر، وذلك كقوله تعالى:
{أَيَطْمَعُ كُلُّ امْرِئٍ مِنْهُمْ أَنْ يُدْخَلَ جَنَّةَ نَعِيمٍ كَلَّا} (المعارج 38، 39)
الثاني: تكون بمعنى " حقا "؛ وذلك كقوله تعالى:
{كَلَّا إنَّ الإنَّسَانَ لَيَطْغَى} (العلق 6)
الثالث: تكون بمعنى " ألا " الاستفتاحية؛ وذلك كقوله تعالى:
{الَّذِي هُمْ فِيهِ مُخْتَلِفُونَ كَلَّا سَيَعْلَمُونَ} (النبأ 3، 4)
الرابع: تكون بمعنى " إي " فتكون حرفَ تصديقٍ؛ كقوله تعالى:
{كَلَّا وَالْقَمَرِ} (المدثر 32)
الخامس: تكون ردًّا لما قبلها وهذا قريب من معنى الردع؛ وشاهده قوله تعالى (98):
{أَطَّلَعَ الْغَيْبَ أَمْ اتَّخَذَ عِنْدَ الرَّحْمَنِ عَهْدًا كَلَّا} (مريم78، 79)
الحرف العاشر: حرف العطف (99) (إما)
وهذا الحرف يُظهِر صفةً هامةً من صفات التركيب، وهي أنَّ الحرف إذا تركَّب مع حرفٍ آخر فإنَّه لا يصحُّ بحال استخدام أحدهما دون الآخر ليؤدِّي المعنى الذي كانا يؤدِّيانه معاً، وبهذا الفرق تختلف (إمَّا) العاطفة عن (إمَّا) الشرطية؛ حيث إنَّ كليهما مكوَّن من " إنْ " الشرطية و" ما " الزائدة، إلَّا إنَّ زيادة " ما " في الشرطية ليست واجبة، أمَّا زيادتها في العاطفة فواجبة (100)، يقول المبرِّد (101)، (إنَّ " إمَّا " هذه إنَّما هي " إنْ " ضُمَّت إليها " ما " لهذا المعنى، ولا يجوز حذف " ما " منها إلَّا أن يضطرَّ إلى ذلك شاعر … فأمَّا في المجازاة إذا قلت: إن تأتني آتك، وإن تقم أقم، فإنَّك إن شئت زدت " ما " كما تزيدها في سائر حروف الجزاء…فتقول على هذا إن شئت: إمَّا تأتني آتك، وإمَّا تقم أقم معك) (102).
وإنَّما قالوا إنَّ أصل (إمَّا) العاطفة " إنْ " الشرطية تركَّبت مع " ما " (لأنَّ المعنى في قولك: قام إمَّا زيد وإمَّا عمرو؛ وإنْ لم يكن قام زيد فقد قام عمرو) (103)، ولكنَّها مع هذا ابتعدت كثيراً بعد التركيب عن معنى الشرط؛ وذلك حينما أدَّت ما تؤديه (أو) العاطفة (104) من معنى " الشكِّ " في نحو: جاء إمَّا زيد وإمَّا عمرو ومعنى " الإبهام "؛ في نحو قوله عز وجل:
{وَآخَرُونَ مُرْجَوْنَ لِأَمْرِ اللَّهِ إمَّا يُعَذِّبُهُمْ وَإمَّا يَتُوبُ عَلَيْهِمْ} (التوبة 106)
ومعنى " التخيير "؛ في نحو قوله تعالى:
{إمَّا أَنْ تُعَذِّبَ وَإمَّا أَنْ تَتَّخِذَ فِيهِمْ حُسْنًا} (الكهف86)
ومعنى " الإباحة "؛ في نحو قوله تعالى:
{فَإمَّا مَنًّا بَعْدُ وَإمَّا فِدَاءً} (محمَّد 4)
¥