أمّا عدم الابتداء بهما فلأنَّ الحركة لابدّ أنْ تصاحب الحرف معه أو بعده _ ولكلّ منهما وجه _، لذا لم تقع أولا، و المدّ لا يكون إلا ساكنا، و لا يبتدأُ بساكن.

و أمّا أنّ الحركة لا تتبعها حركة فلأنّ الحرف الواحد لا يكون محلا لحركتين، يقول ابن جني: " الحرف الواحد لا يتحمل حركتين لا متّفقتين، و لا مختلفتين ". [23]

و أمّا أنّ المدّ لا يتبعه مدٌّ فلعدم جواز اجتماع الساكنين على غير حدَّه.

و أمّا أنّهما لا يوجدان إلا بحرف فالحركة لما تقدّم، و أمّا المدُّ فلأنه لابدّ أنْ يكون مسبوقا بحركة من جنسه، و الحركة محلُّها الحرف.

و أمّا استعمالهما علامة للإعراب فلخفّتهما، و استمرار الصوت بهما، و لذا لا تخلو كلمةٌ منهما.

أثر جعل حروف المدّ حركة طويلة في الدرس اللغويّ:

من المسّلم به أنّ للأمَّة الإسلامية من التراث الديني , واللغوي ما يتصف بالقداسة، والاستمرار، و إذا كان لتغيير مصطلح لا يغير في حقيقة المسمّى به أثره العظيم على هذا التراث مّما يقطع الصلة بين السابق، واللاحق، فما بالك بالقضايا الكليّة التي تغير حقائق العلوم، وإذا أردنا تتبع المسائل الجزئية لأثرِ اعتبار حروف المدّ حركات طويلة، و مدى خطورة القول بها فسيطول الحديث، و حسبي أنْ أضمّ ما وقفت عليه في مسائل كليّة منها:

1_ سيُلغى تقسيم الحروف إلى حروف صحيحة، و أخرى معتلَّة؛ إذ ليست حروف المدّ إلا حركات طويلة.

2_ استعمال مصطلحات غير تلك المصطلحات التي شاعت عن المتقدمين، أو تسمية الظواهر اللغوية بغير أسمائها، و من ذلك:

أ _ إطلاق القصر على الحذف، ففي قول العرب مثلا: (لا يألُ، و لا أدرِ)، الأصل (لا يألو، و لا أدري)، فحُذف الواو، والياء، أمّا الدكتور سلمان السُحيْميّ _ و هو أكثر من توسع في تطبيق هذا المفهوم فيما أعلم _ فيقول: " و الحاصل أنّه لم يُحذف بمعنى أسقط الضمّة الطويلة، و إنّما الذي حصل قصْرُها، أي: جعلها حركة قصيرةً، و كثيرًا ما يعبر النحويون عن قصر المدِّ بالحذف " [24]، ويزعم أنّ السبب في ذلك النظر إلى الحروف المكتوبة. [25]

و بهذا يُقاس على ما تقدّم كلُّ ما فيه حذف من مثل: (لم يقُلْ، و لم يبِعْ)، , (الذِ، و التِ)، و (مفاتيح)، و (يا عبادِ)، و (ممَّ)، ... إلى آخر ذلك.

ب _ إطلاق الحذف على قلب الهمزة الساكنة حرفا من جنس الحركة التي قبلها للتخفيف، فيقال: (راس، و ذيب، و بوس) في (رأس، و ذئب، و بؤس)؛ إذ يرى الدكتور السحيميّ أنّ الهمزة حُذفت رأسا، ثُمّ مُدّت الحركة التي قبلها عوضا عنها. [26]

ج _ إطلاق الحذف و التعويض على ما سمّاه القدماء البدل، وذلك فيما إذا أبدل حرفُ علّة بحرف صحيح؛ لأنّ الحركة الطويلة لا تكون أصلا، و لا بدلا من أصل، ففي (الأراني، و الثّعالي) حذفت الياء منهما، ثم مُدّت الحركة قبلها عوضا عنها، و كذا يقال في (الخامي، و السادي، و تسنَّى، و تسرَّى، و تقضَّى، و دسّاها) ... إلى آخره.

3 _ إلغاء كثير من صور التقاء الساكنين، و عدم الاعتداد به علة للحذف، فإذا أُكّد الفعل (لا تكتبوا) بالنون حُذفت الواو؛ لالتقائها ساكنة بنون التوكيد، و جعلت ضمّة الباء دليلا عليها، أما عند من يجعل الواو حركة طويلة فالواو حذفت بلا علّة، وبهذا يعلل لكثير من ظواهر الحذف، فما هو إلا عشوائية و اعتباط.

4 _ اختلال كلّ الأوزان التي اشتملت أصول موزوناتها على حرف من حروف المدّ ذلك؛ لأنّ الحركة الطويلة لا تكون أصلا، فـ (قال) على هذا، و زنها (فال)، و إذا كان من أوزان التصغير (فُعَيْل)، فإنه لا يصلح أنْ يكون وزنا لـ (جار) _ مثلا _ إذا ما صُغِّر ... و هكذا.

و في (استصاب) من استصوب حذفت الواو التي هي عين الفعل، و مدّت الحركة التي بعدها، فوزنها (استفال) [27]، لا كما يدّعي الصرفيّون من أنّ حركة الواو نقلت إلى ماقبلها، فتحركت بحسب الأصل، و انفتح ما قبلها بحسب الآن، فقلبت ألفا، و وزنها (استفعل).

¥

طور بواسطة نورين ميديا © 2015