2 _ لا تتلو الحركةُ الحركةَ، كما لا يتلو المدُّ مدًّا، وقد طوَّل رجل لأبي إسحاق الصوتَ بالألف مدَّعيًا أنه يمكن الجمع بين ألفَيْن، فقال أبو إسحاق: " لو مددتها إلى العصر لما كانت إلا ألفًّا واحدا ". [13]

3 _ أنَّ كلا من الحركة والمدّ لا يوجد إلا بحرف صامت، وقد نصَّ ابن جني على الحركة قائلا: " وكانت الحركة لا توجد إلا عند وجود الحرف ". [14]

4 _ أنَّ كلا منها علامة للإعراب كما أنَّ حذفها في المضارع صحيحا ومعتلا علامة لجزمه.

و مع ما بينها من اشتراك ما الذي دفع علماءنا المتقدمين إلى التفريق بينهما، فأطلقوا على الألف، والياء، والواو مدًّا حروفا، وسمَّوا الفتحة، والكسرة، والضمَّة حركات؟

لا شكَّ أنَّ المتقدمين قد طرَقَ هذا التساؤل أذهانهم، ولذلك يقول ابن جني: " وإنَّما سميت هذه الأصوات الناقصة حركات؛ لأنها تقلق الحرف، وتجتذبه نحو الحروف التي هي أبعاضها، فالفتحة تجتذب الحرف نحو الألف، والكسرة تجتذبه نحو الياء، والضمة تجتذبه نحو الواو، و لا يبلغ بها الناطق مدى الحروف التي هي أبعاضها ". [15]

ويقول ابن يعيش: " و إنَّما رأى النحويون صوتا أعظمَ من صوت، فسمَّوا العظيم حرفا، والضعيف حركة، وإن كانا في الحقيقة شيئا واحدا ". [16]

وعلى هذا فإن التفريق بينهما مبني على كميّة الصوت، أو بمعني آخر الزمن الذي يستغرقه النطق بكل منهما، ولذلك يقول ابن سينا: " ولكنني أعلم يقينا أنَّ الألف الممدودة المصوتة تقع في ضعف أو أضعاف زمان الفتحة، و أنَّ الفتحة تقع في أصغر الأزمنة التي يصحّ فيها الانتقال من حرف إلى حرف، و كذلك نسبة الواو المصوتة إلى الضمَّة، و الياء المصوتة إلى الكسرة ". [17]

ويرى الدكتور كمال بشر أنَّ السبب في هذا التفريق إنَّما هو نظرية الأصول، هذا من جهة، ومن جهة أخرى التأثُّر بالكتابة، ذلك أنّ الحروف لها رموز مستقلّة، أمّا الحركات فرموزها متأخرةٌ نسبيّا. [18]

أمَّا العكبَريّ فيرى أنّ حروف المدّ ليست ناتجة عن إشباع الحركات معلِّلا ذلك بعلّتين:

1 - أنّ الحركة ليست بعض الحرف؛ لأن حروف المدّ ساكنة، ومحال اجتماع ساكن من حركات.

2 - أنّك إذا أشبعت الحركة نشأ منها حرف تامٌّ، وتبقى الحركة قبله بكمالها، فلو كان الحرف حركتين لم تبقَ الحركة قبل الحرف. [19]

و من قبله صحّح القيسيّ هذا الرأي، يقول: " وقال بعضُ أهل النّظر: ليست الحروف مأخوذةً من الحركات الثلاث، ولا الحركات مأخوذة من الحروف، إذ لم يسبق أحد الصّنفين الآخر ... ، وهو قول ٌ صحيحٌ إنْ شاء الله تعالى ". [20]

و لعل هذا الرأي جديرٌ بالقبول؛ إذ أنّ من المعلوم أنّه ليس هناك اتّفاق مطلقٌ بين صوتين، وإلا لعُدّا صوتا واحدا، و أنَّ أيَّ قدر من التغاير بينهما يجعل منهما صوتين متغايرين، و لذلك يقول ابن جني: " لولا الإطباق لصارت الطاء دالا، والصاد سينا، والظاء ذالا ". [21]

و في مقدمة العين بقول الليث نقلا عن الخليل: " لولا بحّة في الحاء لأشبهت العين؛ لقرب مخرجها من العين ... و لولا هتّة في الهاء، و قال مرة: ههّة، لأشبهت الحاء؛ لقرب مخرج الهاء من الحاء ". [22]

مع ملاحظة أنّ هناك قدرٌ من التغاير لا يخرج به الصوت عن حقيقته كالترقيق، والتفخيم في اللام، والراء، والتفخيم في الألف، هذا في الحروف، وكالاختلاس و هذا في الحركات.

فإن قيل: لِمَ لا يكون الطول، والقصر بين المتشابهين من أصوات المدّ، والحركات غيرَ مخرجٍ لكلٍّ منهما عن حقيقته الواحدة، فيكون في ذلك كالترقيق، والتفخيم، والاختلاس؟

قيل: إنّ الأصواتَ حروفا، وحركات لا قيمة لها في أنفسها، وإنّما قيمتها بعد تركيبها، و انضمامها إلى غيرها، و على هذا، فإنّ التغاير إنْ أخرج الكلمة عن مدلولها فهو تغاير يعتدُّ به، وإلا فلا، فـ (ضَرَب) بالفتح بعد الضاد غيرُ (ضارَبَ)، و من هنا فالفتح صوت مغاير للألف، ولكن (ضرب، أو ضارب) بتفخيم الراء، أو ترقيقها فيهما هي هي، والخروج عن الصورة الصحيحة فيهما إنّما هو انحراف صوتيّ.

أمّا ما ذُكر من اشتراكهما في الأحكام السابقة فلا يدلّ بحال على أنهما شيءّ واحد؛ إذْ قد يأخذ الشيءُ حكم غيره و إن لم يكن منه بسبب، وإنّما اتّحدا في الحكم والاعتبارات مختلفة:

¥

طور بواسطة نورين ميديا © 2015