وتوجيه ذلك أنّ قوله تعالى (سَلَسِلَا) و (قَوَارِيراْ) أصله كله ألاّ يصرف لأنه جمع والجمع ثقيل ولأنه لا يجمع فخالف سائر الجموع ولأنه لا نظير له في الواحد ولأنه غاية الجموع إذ لا يجمع فثقل فلم ينصرف.
فأما من صرفه من القراء فإنّه لغة لبعض العرب حكى الكسائي انهم يصرفون كل ما ينصرف الا (افعل منك) وقال الاخفش سمعنا من العرب من يصرف هذا وجميع ما لا ينصرف. ()
وقيل: إنّما صرفه لانه وقع في المصحف بالألف فصرفه على الاتباع لخط المصحف وانما كتب في المصحف بالألف لأنها رؤوس الآي فأشبهت القوافي والفواصل التي تزاد فيها الالف للوقف.
وقيل إنّما صرفه من صرفه لأنّه جمع كسائر الجموع قد جمعهُ بعض العرب فصار كالواحد قال عليه الصلاة والسلام (إنّكن لأنتنَّ صواحبات يوسف) () مجمع صواحب بالالف والتاء كما يجمع الواحد فصار كالواحد في الحكم اذ قد يجمع كما يجمع الواحد فانصرف كما ينصرف الواحد وحكى الأخفش مواليات فلان فجمع (موالي) فصار كالواحد. ()
20: قال في سورة الشورى 42/ 17 {اللَّهُ الَّذِى أَنزَلَ الْكِتَبَ بِالْحَقِّ وَالْمِيزَانَ وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّ السَّاعَةَ قَرِيبٌ} فلماذا لم يتبع خبر لعل اسمها في التأنيث فيقول قريبة؟
قلت: قد أجبنا عن هذه المسالة ومثيلاتها في الفقرة الثالثة والله الموفق.
21: قال جاء في سورة البقرة 2/ 196 {فَمَن لَّمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلثَةِ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ وَسَبْعَةٍ إِذَا رَجَعْتُمْ تِلْكَ عَشَرَةٌ كَامِلَةٌ} فلماذا لم يقل تلك عشرة مع حذف كلمة (كَامِلَةٌ) تلافيا لإيضاح الواضح لأنه من يظن العشرة تسعة؟
قلت: والجواب على هذه المسالة بخصوص كلمة (كَامِلَةٌ) معناها والله اعلم كاملة في الثواب حتى لا يظن ظان أن التفريق يضر الأجر، وهذا احد وجوه التفسير، قال الأنصاري: ((إن قلت ما أردت ذكره بعد الثلاثة والسبعة وذكر (كَامِلَةٌ) بعد قوله (تِلْكَ عَشَرَةٌ)؟
قلت فائدة الأول دفع تصحيف سبعة بـ (تسعة) وتاكيد العلم بالعدد تفصيلا وإجمالا وفائدة الثاني التاكيد كما في (حولين كاملين) البقرة 233 أو معناه كاملة في الثواب مع كونها متفرقة أو واقعة بدلا عن الهدي)) ()، والله أعلم.
22: قال جاء في سورة الأنبياء 21/ 3 (واسروا النجوى الذين ظلموا) مع حذف ضمير الفاعل في (أسروا) لوجود الفاعل ظاهرا وهو (الذين).
قلت: والجواب عن هذه الاية أنها تحتمل وجوها من الاعراب ولا يتعين الوجه المذكور. فـ (الذين) بدل من الضمير المرفوع في اسروا والضمير يعود على الناس وقيل الذين رفع إضمار (هم) الذين وقيل الذين في موضع نصب (أعني) وأجاز الفراء أن تكون الذين في موضع الخفض نعت للناس، وقيل الذين رفع بـ (أسروا) واتى لفظ الضمير في (أسروا) على لغة من قال: (أكلوني البراغيثُ) وقيل الذين رفع على إضمار يقول ()، وهذه الأوجه الكثيرة كلها تدل على ثراء اللغة العربية وسعتها لا كما يظن هذا الجاهل الحاقد.
23: قال جاء في سورة يونس قال جاء في سورة يونس 10/ 21 {حَتَّى إِذَا كُنتُمْ فِي الْفُلْكِ وَجَرَيْنَ بِهِم بِرِيحٍ طَيِّبَةٍ وَفَرِحُواْ بِهَا جَاءتْهَا رِيحٌ عَاصِفٌ} فلماذا التفت عن المخاطب إلى الغائب قبل تمام المعنى؟ والأصح ان يستمر على خطاب المخاطب.
قلت: والجواب على هذه المسالة ما يأتي أنّ من أساليب العرب في الكلام أن تخاطب الشاهد بشيء ثم تجعل الخطاب له على لفظ الغائب وهذا الأسلوب الجميل موجود في القران الكريم ومنه هذه الآية وقوله تعالى: {وَمَا ءاتَيْتُم مِّن زَكَوةٍ تُرِيدُونَ وَجْهَ اللَّهِ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُضْعِفُونَ}. الروم 39 وقوله {وَلَكِنَّ اللَّهَ حَبَّبَ إِلَيْكُمُ الْإِيمَانَ وَزَيَّنَهُ فِي قُلُوبِكُمْ}. ثم قال (أُوْلَئِكَ هُمُ الرَّاشِدُونَ) الحجرات 7.
وقال النابغة الذبياني
يادار مية بالعليا فالسند اقوت طال عليها سالف الأبد ()
وهذا الأسلوب يسمى في علم البلاغة بالالتفاف ولو شواهد كثيرة والالتفات على ضربين فواحد ان يفرغ المتكلم من المعنى فإذا ظننت انه يريد ان يجاوزه يلتفت إليه فيذكره بغير ما تقدم ذكره به.
¥