قلت: والجواب أنه في وقوع المفرد هنا موقع الجمع وجهان أحدهما هو جنس مثل من وما فيعود الضمير إليه تارة بلفظ المفرد وتارة بلفظ الجمع.

والثاني أنه أراد الذين فحذفت النون لطول الكلام بالصلة ومثله {وَالَّذِي جَاء بِالصِّدْقِ وَصَدَّقَ بِهِ} () ثم قال (أولئك هم المتقون) الزمر 33.

وقال الفراء: ((وإنما قال الله عز وجل (ذَهَبَ اللّهُ بِنُورِهِمْ) لأنّ المعنى ذهب إلى المنافقين فجمع لذلك، ولو وُحّد لكان صوابا)) () وضرب الفراء على ذلك بعض الأمثلة، ولم نذكرها للاختصار.

9. قال جاء في سورة النساء 4/ 162 {لَّكِنِ الرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ مِنْهُمْ وَالْمُؤْمِنُونَ يُؤْمِنُونَ بِمَا أُنزِلَ إِلَيكَ وَمَا أُنزِلَ مِن قَبْلِكَ وَالْمُقِيمِينَ الصَّلوةَ وَالْمُؤْتُونَ الزَّكَوةَ وَالْمُؤْمِنُونَ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الأخر أُوْلَئِكَ سَنُؤْتِيهِمْ أَجْراً عَظِيماً} وكان يجب أن يرفع المعطوف على المرفوع فيقول والمقيمون الصَّلاَةَ.

قلت: والجواب على هذه المسألة من عدة وجوه:

أحدها أنه منصوب على المدح أي: وأعني المقيمين. وذلك لبيان فضل الصلاة وفضل مقيمي الصلاة.

والثاني أنه معطوف على (ما) أي يؤمنون بما أنزل إليك وبالمقيمين والمراد بهم الملائكة. وقيل التقدير: وبدين المقيمين فيكون المراد بهم المسلمين.

والثالث: أنه معطوف على (قبل) تقديره ومن قبل المقيمين فحذف قبل وأقيم المضاف إليه مقامه.

والرابع: أنه معطوف على الكاف في قبلك.

والخامس: أنه معطوف على الكاف في إليك.

والسادس: أنه معطوف على الهاء والميم في منهم. ()

وتحمل كل هذه الوجوه على الاتساع في المعنى.

10. قال جاء في سورة هود 11/ 10 {وَلَئِنْ أَذَقْنَهُ نَعْمَاء بَعْدَ ضَرَّاء مَسَّتْهُ لَيَقُولَنَّ ذَهَبَ السَّيِّئَاتُ عَنِّي إِنَّهُ لَفَرِحٌ فَخُورٌ} وكان يجب أن يجر المضاف إليه فيقول: بعد ضراءِ.

قلت: والجواب عن هذه المسألة بأن كلمة ضراء ممنوعة من الصرف تجر بالفتحة نيابة عن الكسرة، ولا أدري أجهل هذه المسألة الواضحة أم أراد أن يثير الشبهة على بني جلدته، وهو أمر يدعو إلى العجب من جهله وبلادته.

11. قال جاء في سورة البقرة 2/ 80 {وَقَالُواْ لَن تَمَسَّنَا النَّارُ إِلاَّ أَيَّاماً مَّعْدُودَةً} وكان يجب أن يجمعها جمع قلة حيث إنهم () أراد القلة فيقول: أياما معدودات.

12. وقال جاء في سورة البقرة 2/ 183 و 184 {كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ أَيَّاماً مَّعْدُودَاتٍ} وكان يجب أن يجمعها جمع كثرة حيث إن المراد جمع كثرة عدته 30 يوما فيقول أياما معدودة.

قلت: والجواب على هاتين المسألتين ما يأتي قال قوله تعالى {وَقَالُواْ لَن تَمَسَّنَا النَّارُ إِلاَّ أَيَّاماً مَّعْدُودَةً} البقرة 80 وفي سورة آل عمران 24 {ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُواْ لَن تَمَسَّنَا النَّارُ إِلاَّ أَيَّاماً مَّعْدُودَاتٍ} فأفرد في البقرة الوصف وجمع في آل عمران فقيل معدودات والجاري عليه الوصف في السورتين قوله: (أياما) بلفظ واحد فيسال عن موجب اختلاف الوصف

فما يجمع جمع التكسير من مذكر غير عاقل قد يتبع بالصفة المفردة مؤنثة بالتاء كما يفعل في الخبر تقول ذنوب مغفورة وأعمال محسوبة، وقال تعالى {فِيهَا سُرُرٌ مَّرْفُوعَةٌ (13) وَأَكْوَابٌ مَّوْضُوعَة (14) ٌ وَنَمَارِقُ مَصْفُوفَةٌ (15) وَزَرَابِيُّ مَبْثُوثَة (16)} الغاشية ومنه قوله تعالى مخبرا عن يهود (وَقَالُواْ لَن تَمَسَّنَا إِلاَّ أَيَّاماً مَّعْدُودَةً) ثم قد يجمع هذا الضرب بالألف والتاء رعيا لمفرده وان لم يكثر إلاّ أنه فصيح ومنه {وَاذْكُرُواْ اللّهَ فِي أَيَّامٍ مَّعْدُودَاتٍ} البقرة 203 وإذا تبين ما ذكرناه وأنه الجاري الكثير مع ما وقع في آية البقرة من الإيجاز وفي الأخرى من الإطالة ألا ترى قوله تعالى في آية آل عمرن 24 {ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُواْ لَن تَمَسَّنَا النَّارُ إِلاَّ أَيَّاماً مَّعْدُودَاتٍ} في البقرة 80 {وَقَالُواْ لَن تَمَسَّنَا النَّارُ إِلاَّ أَيَّاماً مَّعْدُودَةً} وإخباره تعالى باغترارهم بقول {وَغَرَّهُمْ فِي دِينِهِم مَّا كَانُواْ يَفْتَرُونَ} وهذا بسط لحالهم الحامل على سوء مرتكبهم ولم يذكر سببه فناسب الإفراد الإيجاز وناسب الجمع الإسهاب ولو جمع في سورة

¥

طور بواسطة نورين ميديا © 2015