في هذه المسألة كلام كثير لا يحتمله هذا الرد المختصر، وقد أفرد الكلام على هذه المسألة علماء كثيرون منهم ابن هشام الانصاري فله رسالة في الحكمة من تذكير (قريب) وذكر وجوها كثيرة وذكر بعض هذه الوجوه الإعرابية ابن مالك أيضا، ووجدت العكبري، قد أجاد في ذكر بعض هذه الوجوه قال: (قوله تعالى (قَرِيبٌ، انما لم تؤنث لأنه أراد المطر، وقيل هو على النسب أي ذات قرب، كما يقال امرأة طالق، وقيل هو فعيل بمعنى مفعول كما قالوا لحية دَهين، وكفُّ خضيب. وقيل أراد المكان، أي انَّ مكان رحمة الله قريب، وقيل: فرق بين القريب من النسب وبين القريب من غيره) ()

وبعض هذه الوجوه ذكرها الفراء من قبل، وهذه الآية لها مثيلاتها من القرآن العظيم، قوله تعالى {وَمَا هِيَ مِنَ الظَّلِمِينَ بِبَعِيدٍ} هود 83 وقوله تعالى {وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّ السَّاعَةَ تَكُونُ قَرِيباً} الأحزاب 63 وقال عروة ابن حزام العذري:

عشية لا عفراءُ منك قريبةُ فتدنو ولا عفراء منك بعيدُ ().

وقال ابن مالك:

وربما أكسب ثانٍ أولا تأنيثا ان كان لحذف موهلا.

فقد يكتسب المضاف المذكر من المؤنث المضاف إليه التأنيث وبالعكس ايضا كقوله تعالى {إِنَّ رَحْمَتَ اللّهِ قَرِيبٌ مِّنَ الْمُحْسِنِينَ} و (رَحْمَتَ) اكتسبت التذكير () بإضافتها لاسم الله تعالى، والله أعلم.

4. قال: جاء في سورة الأعراف 7/ 160 {وَقَطَّعْنَهُمُ اثْنَتَيْ عَشْرَةَ أَسْبَاطاً أُمَماً} وكان يجب أن يذكر العدد ويأتي بمفرد المعدود فيقول: أثني عشر سبطاً.

قلت والجواب: هو ما ذكره الفراء قال: ((فقال اثْنَتَيْ عَشْرَةَ والسبط ذكر لأنّ بعده أمم فذهب التأنيث إلى الأمم ولو كان (اثنى عشر) التذكير السبط كان جائزا)) () وقد ذكر هذا التقدير غير واحد من العلماء ومنهم العكبري () فالسبط يأتي بمعنى الفرقة تعني اثنتي عشرة فرقة فحذف المميز فلذلك أنث. ()

5. قال جاء في سورة الحج 22/ 19 {هَذَانِ خَصْمَانِ اخْتَصَمُوا فِي رَبِّهِمْ} وكان يجب أن يثني الضمير العائد على المثنى فيقول خصمان اختصما في ربهما.

قلت: والجواب ما ذكره الفراء أن ((قوله تعالى (اخْتَصَمُوا) ولم يقل اختصما لأنهما جمعان ليسا برجلين ولو قيل اختصما كان صوابا ومثله (وان طائفتان من المؤمنين اقتتلوا) الحجرات 9 يذهب إلى الجمع ولو قيل اقتتلتا لجا= يذهب إلى الطائفتين)) () أي لو قيل في غير القرآن اختصما واقتتلتا لكان الأمر جائزا وهذا رد من المتقدمين على أمثال هذه الشبه، والله أعلم.

6. قال جاء في سورة التوبة 9/ 69 {وَخُضْتُمْ كَالَّذِي خَاضُواْ} وكان يجب أن يجمع اسم الموصول العائد على ضمير الجمع فيقول: خضتم كالذين حاضوا.

قلت: والجواب أن في الذي وجهين أحدهما أنه جنس، والتقدير خوضاً كخوض الذين خاضوا وقد ذكر مثله في قوله تعالى {مَثَلُهُمْ كَمَثَلِ الَّذِى اسْتَوْقَدَ نَاراً} البقرة 17 والثاني أن (الذي) هنا مصدريه، أي كخوضهم، وهو نادر وقال به جمع منهم يونس والفراء والفارسي وارتضاه ابن خروف وابن مالك ()

7. قال جاء في سورة المنافقون 63/ 10 {وَأَنفِقُوا مِن مَّا رَزَقْنَكُم مِّن قَبْلِ أَن يَأْتِىَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ فَيَقُولَ رَبِّ لَوْلَا أَخَّرْتَنِى إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ فَأَصَّدَّقَ وَأَكُن مِّنَ الصَّلِحِينَ} وكان يجب أن ينصب الفعل المعطوف على المنصوب فأصدق وأكون.

قلت: والجواب عن هذه المسألة ما يأتي: قال الفراء: (وإذا أجبت الاستفهام بالفاء فنصبت فانصب المعطوف وإن جزمتها فصواب من ذلك قوله في المنافقين {لَوْلَا أَخَّرْتَنِي إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ فَأَصَّدَّقَ وَأَكُن} رددت (وَأَكُن) على موضع الفاء لأنها في محل جزم إذ كان الفعل إذا وقع موقعها بغير الفاء جزم، والنصب على أن ترده على ما بعدها، فتقول (وأكون) وهي في قراءة عبد الله بن مسعود (وأكون) بالواو، وقد قرأ بها بعض القراء). ()

فالوجهان جائزان- رواية ودراية لكن هذا الاطلس المتحير يريد أن بضرب القرآن بعضه ببعض جهلا وحقدا.

8. قال جاء في سورة البقرة 2/ 17 {مَثَلُهُمْ كَمَثَلِ الَّذِى اسْتَوْقَدَ نَاراً فَلَمَّا أَضَاءتْ مَا حَوْلَهُ ذَهَبَ اللّهُ بِنُورِهِمْ} وكان يجب أن يجعل الضمير العائد على المفرد مفردا فيقول اسْتَوْقَدَ .. ذَهَبَ اللّهُ بِنُورِهِ.

¥

طور بواسطة نورين ميديا © 2015