ـ[حامد الأنصاري]ــــــــ[11 - Sep-2008, مساء 08:28]ـ
بسم الله الرحمن الرحيم، والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله
أما بعد فإني أقدم لعموم أمثالي من طلبة العلم كلمات في الفرق بين حرفي الجر (إلى) و (حتى) من خلال آيتين من آيات الله تعالى المتضمنة لأحكام الصيام والقيام، وهما قوله تعالى:] أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ الرَّفَثُ إِلَى نِسَآئِكُمْ هُنَّ لِبَاسٌ لَّكُمْ وَأَنتُمْ لِبَاسٌ لَّهُنَّ عَلِمَ اللّهُ أَنَّكُمْ كُنتُمْ تَخْتانُونَ أَنفُسَكُمْ فَتَابَ عَلَيْكُمْ وَعَفَا عَنكُمْ فَالآنَ بَاشِرُوهُنَّ وَابْتَغُواْ مَا كَتَبَ اللّهُ لَكُمْ وَكُلُواْ وَاشْرَبُواْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ ثُمَّ أَتِمُّواْ الصِّيَامَ إِلَى الَّليْلِ وَلاَ تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ تِلْكَ حُدُودُ اللّهِ فَلاَ تَقْرَبُوهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللّهُ آيَاتِهِ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ [([1])، وقوله تبارك وتعالى:] سَلَامٌ هِيَ حَتَّى مَطْلَعِ الْفَجْرِ سَلَامٌ هِيَ حَتَّى مَطْلَعِ الْفَجْرِ [([2]).
فأقول مستعينا بالله جل وعلا:
اتفق العلماء قاطبة على أن كلا الحرفين يفيدان معنى الغاية، وهذا معنى ظاهر لا خلاف فيه بين أهل العلم، قال الجوهري في الصحاح: ((حتى. . . تكون بمنزلة إلى في الغاية والانتهاء)) ([3])، ومع أن كلا الحرفين يتفقان في المعنى والعمل إلا أن هناك فروقا بينهما سيأتي بيانها فيما يأتي:
الفرق الأول: أن مجرور (إلى) يكون ظاهراً في نحو قوله تبارك وتعالى:] ثُمَّ أَتِمُّواْ الصِّيَامَ إِلَى الَّليْلِ [([4])، ومضمرا في نحو قوله تعالى:] وَاذْكُرِ اسْمَ رَبِّكَ وَتَبَتَّلْ إِلَيْهِ تَبْتِيلاً [([5]).
بينما مجرور (حتى) لا يكون إلا ظاهراً في نحو قوله تعالى:] سَلَامٌ هِيَ حَتَّى مَطْلَعِ الْفَجْرِ سَلَامٌ هِيَ حَتَّى مَطْلَعِ الْفَجْرِ [([6]). وهو مذهب الجمهور خلافا للمبرد والكوفيين مستدلين بقول الشاعر:
فلا والله لا يلقاه ناس فتى حتاك يا ابن أبي يزيد
ورده الجمهور بأنه ضرورة، وقيل: إنه مصنوع ([7]).
الفرق الثاني: أن (إلى) تفيد معنى الغاية مطلقا، بمعنى أنها تجر آخر الغاية زمانية كانت أو مكانية، وغيرها، فمن شواهد جرها آخر الغاية المكانية قوله جل وعلا:] سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلاً مِّنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ [([8])، ومن شواهد جرها آخر الغاية الزمانية قوله تبارك وتعالى:] ثُمَّ أَتِمُّواْ الصِّيَامَ إِلَى الَّليْلِ [([9])، ومن شواهد جرها غير آخر الغاية قول الأخطل:
فَظَلَّ إِلى نِصفِ النَهارِ يَلُفُّهُ بِذي الحَرثِ يَومٌ ذو قِطارٍ وَحاصِبُ
أما (حتى) فـ ((لا تجر إلا آخر جزء، أو ملاقي آخر جزء)) ([10])، بمعنى أنها لا تجر إلا آخر الغاية أو ملاقي آخر الغاية، فمن شواهد جرها لآخر الغاية قوله تعالى:] ثُمَّ بَدَا لَهُم مِّن بَعْدِ مَا رَأَوُاْ الآيَاتِ لَيَسْجُنُنَّهُ حَتَّى حِينٍ [([11]) فيوسف ـ عليه السلام ـ سيسجن حتى انتهاء غاية مدته طالت أم قصرت، ومن شواهد جرها لمُلاقي آخر الغاية قوله تعالى:] سَلَامٌ هِيَ حَتَّى مَطْلَعِ الْفَجْرِ سَلَامٌ هِيَ حَتَّى مَطْلَعِ الْفَجْرِ [([12])، فمطلع الفجر ليس غاية الليل، وإنما هو ملاقٍ لآخر الليل.
الفرق الثالث: أن مجرور (إلى) غير داخل في حكم ما قبلها ما لم توجد قرينة تدل على دخوله ([13]).
¥