ومن شواهد ذلك قوله سبحانه:] ثُمَّ أَتِمُّواْ الصِّيَامَ إِلَى الَّليْلِ [([14])، فـ (إلى) تفيد أن (الليل) ليس داخلا في حكم الصيام خلافا لفعل بعض المتفيهقة الذين يدعون إرادة التثبت من دخول الليل، وخلافا لبعض الفرق التي اشتهر عنها ذلك، قال الرازي: ((كلمة إلى لانتهاء الغاية فظاهر الآية أن الصوم ينتهي عند دخول الليل وذلك لأن غاية الشيء مقطعه ومنتهاه وإنما يكون مقطعا ومنتهى إذا لم يبق بعد ذلك)) ([15])، والسنة المطهرة تؤيد ما دلت عليه (إلى) لغة فعن عُمَرَ رضي الله عنه قال قال رسول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: ((إذا أَقْبَلَ اللَّيْلُ وَأَدْبَرَ النَّهَارُ وَغَابَتْ الشَّمْسُ فَقَدْ أَفْطَرَ الصَّائِمُ)) ([16])، وعن سَهْلِ بن سَعْدٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: ((قال لَا يَزَالُ الناس بِخَيْرٍ ما عَجَّلُوا الْفِطْرَ)) ([17])

ولتوضيح ما دلت عليه (إلى) في قوله سبحانه:] ثُمَّ أَتِمُّواْ الصِّيَامَ إِلَى الَّليْلِ [([18]) أقول مثلا: (قرأت الكتاب إلى الصفحة الخمسين منه، وصمت الأسبوع إلى الجمعة) فـ (إلى) تدل على أن الصفحة الخمسين لم تُقرأ، وأن الجمعة لم يُصم من أيام الأسبوع، وهذا عين ما دلت عليه (إلى) في الآية الكريمة، وبينته السنة النبوية.

فإن وُجدت قرينة تقتضي دخول مجرور (إلى) في حكم ما قبلها كان داخلا في الغاية، كقول الله جل جلاله:] فاغْسِلُواْ وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ [([19])، فبعض العلماء قال: إن (إلى) بمعنى (مع) قال أبوالسعود: ((الجمهور على دخول المرفقين في المغسول ولذلك قيل إلي بمعنى مع كما في قوله تعالى:] وَيَزِدْكُمْ قُوَّةً إِلَى قُوَّتِكُمْ وَلاَ تَتَوَلَّوْاْ مُجْرِمِينَ [([20]))) ([21])، ومثله ابن كثير في تفسيره ([22])

أما حديث جابر بن عبد الله قال كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا توضأ أدار الماء على مرفقيه ([23])، فقد اختلف فيه فضعفه ابن كثير فقال: ((وقد روى الحافظ الدارقطني وأبو بكر البيهقي من طريق القاسم ... عن جابر بن عبد الله قال كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا توضأ أدار الماء على مرفقيه ولكن القاسم هذا متروك الحديث وجده ضعيف والله أعلم)) ([24])، وصححه الألباني في السلسلة الصحيحة ([25])

أما مجرور (حتى) فالغالب دخوله في حكم ما قبلها ([26])، كدخول مطلع الفجر في فضل ليلة القدر الموعود به في قوله تعالى:] سَلَامٌ هِيَ حَتَّى مَطْلَعِ الْفَجْرِ سَلَامٌ هِيَ حَتَّى مَطْلَعِ الْفَجْرِ [([27]). ويؤيد ذلك قول السعدي في تفسيره: ((حتى مطلع الفجر أي مبتداها من غروب الشمس ومنتهاها طلوع الفجر)) ([28]).

ولا يرد على ما تقدم تقريره قول البغوي وغيره من المفسرين: ((حتى مطلع الفجر أي إلى مطلع الفجر)) ([29])، لأن مرادهم اتفاق الحرفين (حتى) مع (إلى) في مبدأ الغاية.

وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه تسليما كثيرا

حرره طالب يوم الخميس في 10/ 09 /1429 ـ 11/ 09 /2008

([1]) ـ[البقرة: 187]

([2]) ـ[القدر: 5]

([3]) ـ الصحاح:1/ 246.

([4]) ـ[البقرة: 187]

([5]) ـ[المزّمِّل: 8]

([6]) ـ[القدر: 5]

([7]) ينظر: شرح الرضي على الكافية: 4/ 277، وخزانة الأدب: 4/ 141

([8]) ـ[الإسراء: 1]

([9]) ـ[البقرة: 187]

([10]) ـ ينظر شرح المفصل: 3/ 493

([11]) ـ[يوسف: 35]

([12]) ـ[القدر: 5]

([13]) ـ ينظر: فاتحة الإعراب:45، والكليات:2/ 244، والنحو الوافي: 2/ 468

([14]) ـ[البقرة: 187]

([15]) ـ التفسير الكبير ج5/ص95

([16]) ـ صحيح مسلم:/ 772، ح/ 1100، كتاب الصيام، بَاب بَيَانِ وَقْتِ انْقِضَاءِ الصَّوْمِ وَخُرُوجِ النَّهَارِ

([17]) ـ صحيح البخاري:2/ 692، ح/ 1856، كتاب الصوم، بَاب تَعْجِيلِ الْإِفْطَارِ.

([18]) ـ[البقرة: 187]

([19]) ـ[المائدة: 6]

([20]) ـ[هود: 52]

([21]) ـ تفسير أبي السعود:3/ 10.

([22]) ـ ينظر تفسير ابن كثير ج2/ص25

([23]) ـ سنن البيهقي الكبرى:1/ 56، وسنن الدارقطني:1/ 83

([24]) ـ ابن كثير ج2/ص25

([25]) ـ السلسلة الصحيحة:5/ 99، ح/ 2067

([26]) ـ ينظر: شرح المفصل:3/ 493، وفاتحة الإعراب: 169، والمغني:1/ 124.

([27]) ـ[القدر: 5]

([28]) ـ تفسير السعدي:931

([29]) ـ تفسير البغوي ج4/ص512

ـ[أبغى الخاتمة الحسنة]ــــــــ[04 - Sep-2009, مساء 06:23]ـ

ما شاء الله

أكرمكم الله ونفع بكم

طور بواسطة نورين ميديا © 2015