والحق أنَّ السيوطى نفسه قد نَفَى هذه الدعوى عمليًّا حين أثبت أنه بعد تمام تأليفه عَرَف تكابَي الأنبارى، فَتَطَلَّبَهما ثُمَّ ضَمَّنَهما كتابه الاقتراح.

لكن يبقى للسيوطى اختلاف تبويب الكتاب وترتيب المسائل حيث احتذى نمط متأخري الأصوليين الشافعية لكنه لا يُعَدُّ بذلك واضعًا للعلم على أيّة حال.

ثم شرح كتابَ الاقتراح عالمان فاضلان وُلِدَ أَوَّلهما وهو ابن علان الشافعى بعد وفاة السيوطى بنحو خمس وثمانين سنة، وتوفى سنة (1057هـ)، وسَمّى شرحه (داعى الفلاح لمُخَبّآت الاقتراح)، وهو شرح بطريقة التضمين لم يَرْتَدْ فيه بعيدًا عن مرابع السيوطى.

وأمّا ثانيهما فهو ابن الطيب الفاسى المغربى ولد سنة (1110هـ) وتوفى سنة (1170هـ)، وسَمَّى شرحه على الاقتراح: (فيض نشر الانشراح من رَوْض طَىّ الاقتراح)، وهو أشبه بالحاشية واقتفى فيه أثر ابن علان، وإن اعترضه فى مواضع.

وفى العصر الحديث توافرت عدة ظروف دفعت عددًا من الباحثين للانشغال بقضايا هذا العلم، وكان من أهمّ هذه الظروف إنشاء الجامعات وبها أقسام للغة العربية تَدْرُس النحو، وتبحث فيه بحثًا أكاديميًّا ذا تقاليد خاصة، ومثل ذلك إنشاء المجامع اللغوية، وهى تحتاج بلاشك إلى تحديد منهجها فى إصدار القرارات مما يتطلب البحث والنظر فى منهج النحاة السابقين، ومنها الأوضاع الجديدة للأمة التى أصبحت فيها تابعة متلقية، ممّا دفع إلى دراسة مناهج السابقين لاستيضاحها وتقييمها إلى جانب دراسة مناهج الغربيين للتمكن من محاورة ذلك العالَم المتقدم، وهى محاورة اتسمت أحيانًا بالنِّديَّة والاعتقاد بقوة ما عندنا، وأحيانًا بالتسليم الذى يصل إلى حدّ اعتبار ما ينتجه العقل الغربى هو معيار الحكم والصواب.

ومن تلك الظروف أيضًا انتشار محاولات التجديد فى النحو العربى، إذ تنبه بعضُ الدارسين إلى أهمية تحديد الأسس المنهجية وضبطها قبل الخوض فى جزئيات التجديد حتى لا تتضخم المادة دون جدوى.

ومنها أيضًا كثرة ما كتب فى النحو العربى وقلة ما أُلِّف فى أصول النحو مع غموض هذا القليل شيئًا ما، واحتياجِ الدارس المعاصر إلى تصورٍ واضح ودقيق لأصول النحو، مما حدا ببعض الباحثين إلى محاولة استخلاص هذه الأصول وإعادة صياغتها مرَّةً أخرى.

وترتب على ذلك كُلِّه أن خرج لنا عددٌ لا بأسَ به مِنَ الكتب، والرسائل العلميّة، والأبحاث فى أصول النحو، اتَّسم بعضها بالجِدِّ والأصالة والاتساق، وبعضها بالنقل وعدم التحديد، وجاء بعضها عامًّا وبعضها مُخَصَّصًا ببعض النحاة، أو أحد الأصول.

فأمّا عن الدراسات التى تناولت أصول النحو بصورة كلية فقد كتب الدكتورتمام حسان "الأصول دراسة ابستمولوجية فى النحو وفقه اللغة والبلاغة"، وبحث الدكتور على أبو المكارم "أصول التفكير النحوى"، وقدم سعيد الأفغانى كتابه "فى أصول النحو" تناول فيه السماع تحت عنوان "الاحتجاج"، ثم القياسَ فالاشتقاق، فالخلاف النحوى، وهو بهذا لم يتناول الأدلة كلها وأدخل ما ليس منها فيها، ولعلَّ ذلك مراعاةً لمن خاطبهم بالكتاب، وكتب حنا ترزى كتابًا فى أصول النحو يتسم بالطابع التعليمى كذلك، وعَرَضَ الدكتور محمد عيد لأصول النحو مقارِنًا إياها بكلام ابن مضاء فى "الرد على النحاة" وعلم اللغة الحديث فى كتابه "أصول النحو العربى"، وقَدَّم الدكتور محمد خير الحلوانى تصوره لأصول النحو فى كتابه "أصول النحو العربى"، وألف الدكتور محمود نحلة "أصول النحو العربى" كذلك، وشاركت الدكتورة عفاف حسنين بكتابها "أدلة النحو".

وأما الدراسات التى تناولت أصول النحو عند أحد النحاة فمنها "الشاهد وأصول النحو فى كتاب سيبويه" للدكتورة خديجة الحديثى، ودراسة الدكتور مازن المبارك لأصول النحو عند الرمانى ضمن كتابه "الرمانى النحوى".

وأمّا الدراسات التى اقتصرت على بعض الأصول النحوية فيتقدمها كتاب "القياس فى اللغة العربية" للشيخ محمد الخضر حسين، ثم "أصول النحو السماعية" للدكتور محمد رفعت فتح الله، و"أصول النحو القياسية"، و"القياس" للدكتورة منى إلياس، و"النحو العربى ـ العلة النحوية" للدكتور مازن المبارك، وكتب الدكتور محمود شرف الدين بحثًا عن الاجتهاد فى النحو، وألقى الأستاذ أحمد أمين فى مجمع اللغة العربية محاضرة بعنوان "مدرسة القياس فى اللغة".

هذا إلى جانب كثير من الرسائل التى تبحث فى علل خاصة كالمشابهة، والحمل على المعنى، والتخفيف، أو مسائل أخرى فى السماع أو القياس كالاطراد الشذوذ، وعصور الاحتجاج فى النحو، ودور الشعر الجاهلى فى التقعيد، هذا وللعلامة أحمد تيمور باشا كتاب بعنوان السماع والقياس، وهو عبارة عن كرّاسة دوَّن فيها المواطن التى وقع عليها أثناء قراءاته فى كتب النحو واللغة والأدب، والتى ذكر فيها العلماء كلامًا عن السماع والقياس، ومعظمها فى مسائل العلم، فليس الكلام فيها مبسوطًا عن الأصلين، بل هى مُقَيَّدات بأسماء الكتب والأجزاء والصفحات تحت عنوانات لمسائل نحوية وصرفية. طبعته لجنة نشر المؤلفات التيمورية بمراجعة الأستاذ محمد شوقى أمين، الطبعة الأولى 1374هـ - 1955م. القاهرة.

¥

طور بواسطة نورين ميديا © 2015