وتفسير النظرة الثلاثية مريح، يتوافق مع النص الصريح، ولا يتعارض مع العقل الصحيح.

النظرة الثلاثية تتكلم عن أربع حالات تتواجد في الإنسان:

الحالة الأولى: البدن و النفس مجتمعان و معهما الروح تبعث فيهما الحياة. و هذه الحالة تتحقق في حياة الإنسان المستيقظ في الدنيا.

الحالة الثانية: الروح داخل البدن تبعث فيه الحياة، أما النفس فقد توفيت لأنها فارقت البدن و بالتالي فهي قد انفصلت عن الروح و هذه الحالة تتحقق عند النوم و في المرحلة الأولى من الموت.

الحالة الثالثة: الروح منفصلة عن البدن و عن النفس فيموت البدن و تموت النفس. هذه الحالة تتحقق في المرحلة الثانية من موت الإنسان.

الحالة الرابعة: الروح متصلة بالنفس تمدها بالحياة، وبالتالي تتعذب وتتألم. أما البدن فهو منفصل عنها ولذلك يكون ميتا ثم يتحول إلى تراب. و هذه الحالة تتحقق في البرزخ بعد الوفاة و إلى أن تقوم الساعة.

وثانيها تحت هذا السؤال:

هل تعود الروح إلى بدن الميت فيحيا حياة كاملة ويجلس كما كان في الدنيا لسؤال الملكين؟

سؤال الملكين (منكر ونكير) وردُّ الميتِ عليهما ـ ثبتنا الله وإياكم بالقول الثابت في الحياة الدنيا وفي الآخرة ـ معلوم من الدين بالضرورة. ولكن هل يعود الميت إلى حياته الكاملة فينتصب في التراب كما كان في الدنيا. أم ماذا؟!

احتار أصحاب النظرة الثنائية ذات الحيرة الأولى، فطائفة منهم قالت تعود الروح للبدن فيحي حياة كالتي في الدنيا. والسؤال يكون للبدن وفيه الروح.

ومنهم من قال أن الروح لا تعود للبدن إلا يوم القيامة عند البعث والسؤال في القبر يكون للروح (التي هي النفس عندهم).

وحاول ابن القيم ـ الذي يروي هذه الآراء في كتابه الروح ـ التوفيق باتخاذ طريق وسط بين النظرتين. فقال بأن النفس (التي هي الروح عنده) تعود إلى البدن ولا تتسبب في حياة البدن الحياة الكاملة بالصورة المعروفة في الدنيا. وهي نظرة يحكمها محاولة التوفيق بين النظرتين السابقتين.

ومعلوم أن البدن بعد الموت ليس له أي اعتبار وأن المرء يأتي يوم القيامة في الجنة أو النار ببدنٍ آخر غير الذي كان عليه في الدنيا، فهيئة أهل الجنة كلهم على هيئة أبيهم آدم، والكافر في النار يضخم حتى يصير ضرسه كجبل أُحد.

والبدن بعد الموت يصبح سوءة يجب التخلص منها بدفنها في الأرض، وتدبر يقول الله تعالى (فَبَعَثَ اللّهُ غُرَاباً يَبْحَثُ فِي الأَرْضِ لِيُرِيَهُ كَيْفَ يُوَارِي سَوْءةَ أَخِيهِ) [المائدة: 31] فقد أصبح جسد أخيه سوءة، وبعد الدفن يتلاشى الجسد و يتحلل في القبر و يخرب خرابا تاما. وتنقطع صلته بالنفس والروح ولا تكون له علاقة بالحياة البرزخية، ولا تعود إليه الحياة بأي صورة من الصور.

ولا يخفى أن سبب هذا الاضطراب هو أنها نظرة ثنائية ليس عندها سوى الروح (النفس) والبدن.

أما النظرة الثلاثية فهي تتكلم بأن في القبر تعود الروح للنفس حيث يضع الملكين الروح والنفس ـ مجتمعين ـ بين البدن والكفن. . . خارج البدن وليس في داخلة، وقد أورد بن القيم في كتاب الروح حديثا عن ابن عباس ـ رضي الله عنهما ـ يؤيد هذا فيه (فيهبطون به على قدر فراغهم من غسله و أكفانه فيدخلون ذلك الروح بين جسده و أكفانه)

وهذه الحالة (دخول الروح في النفس وإعادة الحياة إليها) هي التي تبقى منعمة أو معذبة إلى يوم القيامة، حتى يبعثها الله ويركبها في بدنٍ يتناسب مع حالها إن سعيدة أو شقية.

وثالثها: في هذا السؤال:

ما الفرق بين وفاة النائم ووفاة الميت، والاثنين وفاة كما نصَّ القرآن الكريم؟

حاول بن القيم في كتاب (الروح) أن يسلك طريق وسطا يوفق به بين الأطراف فقال أن الروح ـ وهي النفس عنده ـ تخرج من الجسد خروجا غير كامل، فإذا مات خرجت منه كلية.

¥

طور بواسطة نورين ميديا © 2015