[ص: 34] مطروحا في كرسيه لا يستطيع أن يفعل شيئا أو يحرك عضوا أو يأمر بشيء وهو وضع يشبه حال النائم الذي غابت نفسه عن جسده. من كل ذلك يمكننا أن نفهم أن (الجسد) هو الجسم الحيواني الذي فيه روح و لكنه لا يأكل و لا يتحرك و لا يتكلم والسبب في ذلك عدم وجود النفس فيه. ولو كانت النفس هي الروح لكان عجل السامري يستطيع أن يفعل كل تلك الأشياء مثله مثل غيره من الحيوان لأنه كان حيا فيه روح.

وأما كلمة (بشر) فمعناها الإنسان المركب من بدن و روح و نفس، فهو لذلك حي متحرك حركة قاصدة. انظر قوله تعالى {وَقَالَ الْمَلَأُ مِن قَوْمِهِ الَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِلِقَاء الْآخِرَةِ وَأَتْرَفْنَاهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا مَا هَذَا إِلَّا بَشَرٌ مِّثْلُكُمْ يَأْكُلُ مِمَّا تَأْكُلُونَ مِنْهُ وَيَشْرَبُ مِمَّا تَشْرَبُونَ} [المؤمنون: 33] و اشتهاء الطعام و أكله من وظائف النفس. وقوله تعالى (وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَكُم مِّن تُرَابٍ ثُمَّ إِذَا أَنتُم بَشَرٌ تَنتَشِرُونَ) [الروم: 20] أي مكتملون بدنا و روحا و نفسا. و الانتشار في الأرض سببه الحركة القاصدة و هي من وظائف النفس. أما قوله تعالى (وَمَا جَعَلْنَا لِبَشَرٍ مِّن قَبْلِكَ الْخُلْدَ أَفَإِن مِّتَّ فَهُمُ الْخَالِدُونَ) [الأنبياء: 34] فهو ينفي خلود الإنسان بصورته البشرية أي بكامل تكوينه البشري من بدن و نفس و روح. وأما الصورة غير البشرية المكونة من نفس فقط فهي، مع أنها تموت و تحيى، إلا أنها تظل بعد خلقها خالدة ما شاء الله حيث يتواصل وجودها في الدنيا حينا مع البدن وحينا متوفاة عند النوم، ثم في البرزخ مع الروح و بدون البدن فتكون حية حياة برزخية، ثم في الآخرة حيث يعود إليها البدن فتكتمل مكونات الإنسان عند الحشر لتمتد حياته في جنة أو نار.

من هذا الدليل نستطيع أن نتصور كيف يمكن أن تكون الروح موجودة في الجسد بينما تكون النفس غير موجودة، فيكون الجسد حيا يتنفس ولكنه لا يأكل و لا يتكلم و لا يفهم و لا يتحرك حركة قاصدة كما هو في قصة العجل (عجل السامر)، و كما هو الحال نفسه عند الإنسان النائم والمغشيّ عليه.

وكذلك نستطيع أن نتصور أيضا وجود بدن فيه نفس ولكن ليس فيه روح كما هو حال آدم عليه السلام قبل نفخ الروح فيه حيث يقول الله تعالى (فإذا سويته و نفخت فيه من روحي) وكما هو حال الجنين في الرحم في الأشهر الأولى قبل أن تنفخ فيه الروح.

وكذلك نستطيع أن نتصور وجود نفس فيها الروح و لكن بدون البدن المادي و هي حالة الإنسان في البرزخ.

و هكذا فإن الخلاصة من كل ذلك هي أن الروح شيء و النفس شيء آخر.

خامسا: أثر الروح في المادة

إذا تمعنا في نصوص القرآن و الحديث فسوف نلاحظ أن الروح إذا دخلت في أي جسم لتحييه فإنها تتسبب في تغيير التركيب المادي لذلك الجسم. فعندما دخلت الروح في جسم آدم عليه السلام جعلت الطين يتحول إلى لحم وعظم. و كذلك عيسى ـ عليه السلام ـ عندما كان ينفخ في الطين الذي كهيأة الطير كان ذلك يجعل الطين يتحول إلى لحم و عظم فيصير طيرا بإذن الله، و كذلك الحال أيضا في قصة عجل السامري الذي دخلت الروح فيه فتحول جسمه من ذهب و فضة إلى لحم و عظم و دم.

و بناء على هذه الملاحظة فإننا نستطيع أن نستنبط أن الجسم الميت تتغير مادته عندما تدخل الروح فيه. فالجني الذي كان بدنه في الأصل مخلوقا من مارج من نار فإن دخول الروح فيه يجعل بدنه يتحول من نار إلى شيء آخر لا نعلم كنهه. و الدليل على ذلك أننا لا نستطيع أن نرى الضوء الصادر من الجن ولا نحس بالحرارة الصادرة منهم مع أنهم مخلوقون أساسا من نار. و السبب في ذلك كما قلنا أن أجسامهم قد تحولت من نار إلى شيء آخر غير معلوم لنا كما تحولت طينة آدم إلى لحم و دم. وكذلك الأمر مع الملائكة الذين هم مخلوقون من نور فإن أبدانهم تتحول من نور إلى مادة أخرى لا نعلمها و لهذا السبب فنحن لا نستطيع أن نرى النور الذي نفترض أنه يصدر عنهم.

¥

طور بواسطة نورين ميديا © 2015