فأقول مستعيناً بالله جل وعلا لا أعلم في كتاب الله الكريم ولا في سنة نبيه صلى الله عليه وسلم عند المحتجين بها في اللغة، ولا في كلام العرب المحتَج بهم في اللغة نثرِه ونظمِه دليلا يدل على جواز إدخال (أل) على لفظة (كل) بل هي إما مضافة في نحو قوله تعالى: {وَكُلُّهُمْ ءَاتِيهِ يَوْمَ ?لْقِيَـ?مَةِ فَرْداً} [سورة مريم 19/ 95]، أومنونة في نحو قوله جل جلاله: {وَقَالُواْ ?تَّخَذَ ?للَّهُ وَلَدًا، سُبْحَـ?نَهُ" بَل لَّهُ مَا فِي ?لسَّمَـ?وَ?تِ وَ?لأَرْضِ" كُلٌّ لَّهُ قَـ?نِتُونَ} [سورة البقرة 2/ 116]، ويؤيد هذا القول قول الزَّبيدي في تاج العروس (مادة كلل) نقلا عن الأصمعي وغيره: ((ويُقال: كُلٌّ وبَعْضٌ مَعرِفتانِ، ولم يَجئْ عن العربِ بالأَلِفِ واللامِ، وهو جائزٌ، لأَنَّ فيهما معنى الإضافَةِ أَضَفْتَ أَو لمْ تُضِفْ، هذا نَصُّ الجَوْهَرِيّ في الصحاحِ، وفي العُبابِ: قال أَبو حاتِمٍ: قلتُ للأَصْمَعِيِّ في كتابِ ابنِ المُقَفَّعِ: العِلْمُ كثيرٌ، ولكنَّ أَخْذَ البعضِ أَوْلَى من تَرْكِ الكُلِّ، فأَنكَرَهُ أَشَدَّ الإنكارِ، وقال: الأَلِفُ واللاّمُ لا تَدخُلانِ في بعضٍ وكُلٍّ، لأَنَّهما مَعرِفَةٌ بغير أَلِفٍ ولامٍ، قال أَبو حاتِمٍ: وقد استعملَه النّاسُ حتّى سيبويهِ والأَخْفَشُ في كتابيهِما لِقِلَّةِ علمِهما بهذا النَّحْوِ ([1])، فاجْتَنِبْ ذلكَ، فإنَّه ليس من كلام العرَبِ، وكان ابنُ دُرُسْتَوَيْهِ يُجَوِّزُ ذلك، فخالَفَهُ جميعُ نُحاةِ عصرِهِ، وقد ذُكِرَفي ب-ع-ض، قال: والذي يُسامِحُ في ذلكَ من المُتأَخِّرينَ يقول: فيهما معنى الإضافَةِ أَضَفْتَ أَو لم تُضِفْ)).
ونقل عن الأزهري في مادة (بعض) قوله: ((قُلتُ: وقالَ الأَزْهَرِيُّ: النَّحْوِيُّون أَجَازُوا الأَلِفَ والَّلامَ في بَعْضِ وكُلٍّ، وإِنْ أَبَاهُ الأَصمَعِيُّ. قال شيْخُنا أَيْ بِناءً على أَنَّها عِوَضٌ عن المُضَافِ إِليْه، أَو غيْر ذلِكَ، وجَوَّزَهُ بَعْضٌ. على أَنَّهُ مُؤَوَّلٌ بالجُزْءِ، وهو يَدْخُلُ عَليْه "أل" فَكَذَا ما قَامَ مَقَامَه، وعُورِضَ بأَنَّه ليْسَ مَحَلَّ النِّزَاعِ.))
وتأمل في عبارة الزبيدي الأخيرة فإن فيها رداً على مجوزي دخول (أل) على (كل، وبعض)، وللأمانة العلمية فإني قد اطلعت على بيت فرد جاهلي يقال له البرّاق ([2]) أدخل فيه
(أل) على كلمة (بعض)، وهو قوله:
أَمّا إِيادٌ فَقَد جاءَت بِها بِدَعاً في ما جَنى البَعضُ إِذما البَعضُ راضيها
وهو بيتٌ فرد لم أطلع له على نظير في كلام العرب المحتَجُّ بهم، ومِن ثَمَّ فالأوْلَى اتباع الشائع في كلام العرب الذي أيده القرآن الكريم، وعده من باب الشاذ الذي يُحْفظ ولا يُقاس عليه، ومَن جعله تُكأَةً لإدخال (أل) على كلمة (بعض) فقد خالف الأوْلى على أن يُراعي إدخال ذلك ـ على استحياء ـ في (بعض) دون (كل).
والله تعالى أعلى وأعلم.
مع تحيات: حامد الأنصاري
--------------------------------------------------------------------------------
([1]) ـ هذه العبارة المراد بها: قلة علمهما بهذه المسألة خاصة، وإلا فمَن أنحى من سيبويه وتلميذه الأخفش.
([2]) ـ هو البرّاق بن روحان بن أسد بن بكر بن مرة، من بني ربيعة. شاعر جاهلي مشهور من أهل اليمن ومن شعراء الطبقة الثانية وشهرته وإقامته في البحرين، ويعد من شجعان الجاهليين، ومن ذوي السيادة فيهم وكانت بينه وبين طيء وقضاعة حروب انتهت بظفره وظهور قومه، وهو من أقارب المهلهل وكُليب، وكان أكثر شعره في وصف حروبه.
ـ[حامد الأنصاري]ــــــــ[13 - Jun-2007, صباحاً 11:13]ـ
بسم الله الرحمن الرحيم الحمدلله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أجمعين السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
عن قولك شكرا لك ... بارك الله فيك ... على التواصل وعلى فكرة انظر فيما كتبته الآن، وهو إزالة الإشكال عن مسائل يتوهم فيها الإشكال، لعلي أستفيد منكم
جوابا عن قولك: (أنت نفسك حكيت أن العلماء اختلفوا في قطعها عن الإضافة، ثم تقول هنا اتفقوا على لزومها للإضافة؟!!) أقول ليس كل خلاف في المسألة يعد خلافا معتبراً، ولا اعتبار لقول القائلين بقطعها عن الإضافة لعدم وجود الدليل المخالف لأصل المسألة، فتأمل.
وللجواب عن قولك: (وأما ما ذكرته في التفريق بين ما سمع عن العرب وبين ما قاله العلماء فكلام عجيب أرجو أن تنظر فيه مرة أخرى، فإن هذه المسألة (الملازمة للإضافة أو قطعها) مسألة نظرية أصلا لم يتكلم فيها العرب،) أقول هذه النظرية ما قعدها العلماء إلا بعد استقرائهم لكلام العرب فوجدوا أن هذه الأسماء ملازمة للإضافة، وإن شئت الدليل فانظر في شروح قول ابن مالك:
قَبلُ كَغَيرُ بَعدُ حَسبُ أوَّلُ وَدُونُ والجِهَاتُ أيضاً وَعَلُ
وللجواب عن قولك: (وعلى كل حال فليست من مسلمات لغة العرب اتفاقا؛ لأن (المسلمات) هي التي يسلم بها الموافق والمخالف، وهذا غير موجود هنا.) أقول هل سلم بعض العلماء بقطعيات القرآن الذي نزل من فوق سبع سماوات فلا تجعل قول المخالف سيفا مسلطا على بدهيات العلم.
والله الموفق.
¥