واحتمال لفظة (غير) في النسخ يجعل الأمر محتملا، والاحتمال لا يكون نصاً في مسألة لا سلَف للناس فيها ممن يُحتج به في لغته، والدليل إذا تطرق إليه الاحتمال سقط الاستدلال به، قال السيوطي في الاقتراح: ((إذا دخل الدليل الاحتمال سقط به الاستدلال.)) ()
أما قول العلماء في الشافعي: (كان الشافعي حجة في اللغة) () فهو داخل في قول الزمخشري: (فاجعل ما يقوله بِمنزلة ما يرويه) ()؛ لأن ما يقوله العالِم الأصل فيه أن يكون موافقاً لما يرويه من اللغة، وخاصة إذا شهد له أقرانه بجلالته في اللغة، فإذا خالف قولُه روايتَه بطُل الاحتجاج به كما يبطُل الاحتجاج بفعله إن كان مُخالفاً لعِلمه، فالاحتجاج بقول العالم مقبولٌ ما دام موافقاً لما يرويه من اللغة.
الثاني: قول ابن المقفع في كليلة ودمنة الذي أوردته وجدته في نسخة الشاملة بهذا اللفظ: (فمن نظر في هذا فليعلم أن من أراد منفعة نفسه بضر غيره بالخلابة والمكر فإنه سيجري على خلابته ومكره.)
وهو على هذا يرد عليه ما ورد على القول الأول
الثالث: ما أوردته عن الشاطبي وجدته في مواضع من الشاطبية منها قوله فَزَادَهُمُ الأُولَى وَفِي الْغَيْرِ خُلْفُهُ وَقُلْ (صُحْبَةٌ) بَلْ رَانَ وَاصْحَبْ مُعَدَّلاَ
وقوله:
وَجُزْءاً وَجُزْءٌ ضَمَّ الإِسْكَانَ (صِـ) ـفْ وَحَيْثُماَ أُكْلُهَا (ذِ) كْراً وَفي الْغَيْرِ (ذُ) و (حُـ) ـلاَ
وقوله:
يَضِرْكُمْ بِكَسْرِ الضَّادِ مَعْ جَزْمِ رَائِهِ (سَماَ) وَيُضَمُّ الْغَيْرُ وَالرَّاءَ ثَقَّلاَ
وكلها مواضع أدخل فيها الشاطبي (أل) على كلمة: (غير)، والشاعر أجازه العلماء من الضرورات ما لم تجزه لغيره، مع أنه لا سلَف له فيما نظمه الشعراء المحتج بهم في اللغة، هذا إن أجيز تسمية ذلك بالضرورة، وهب أنا سلمنا بذلك فما يجوز ضرورة في الشعر لا يجوز في النثر، فبحور الشعر تُوجِب على الشاعر ما لا يجوز للناثر. وإقرار الحنبلي له في سهم الألحاظ له على ذلك لم أطلع عليه في النسخة المتوفرة عندي، ويرد عليه قول الحريري في درة الغواص: (- ويقولون فعل الغير ذلك - فيدخلون على غير آلة التعريف والمحققون من النحويين يمنعون من إدخال الألف واللام عليه لأن المقصود في إدخال آلة التعريف على الاسم النكرة أن تخصصه بشخص بعينه فإذا قيل الغير اشتملت اللفظة على ما لا يحصى كثرة ولم تتعرف بآلة التعريف كما أنه لا يتعرف بالإضافة فلم يكن لإدخال الألف واللام عليه فائدة ولهذا السبب لم تدخل الألف واللام عليه فائدة) ()
ومع هذا ألا ترى معي أن ما حررته آنفا عن مجمع اللغة العربية أنه يتقرر فيما خالف فيه العلماء مسلمات لغة العرب.
والله تعالى أعلى وأعلم.
اعتذر عن عدم وجود الهوامش المقتبس منها فالعلة من الجهاز، وإلا فالأصل المكتوب على الوورد فيه هوامشه
مع تحيات حامد الأنصاري
ـ[أبو مالك العوضي]ــــــــ[07 - Jun-2007, مساء 11:31]ـ
وفقك الله وسدد خطاك
اطلعت اليوم سريعا على مقال (محمد خليفة التونسي) الذي أحال عليه في مجلة العربي فوجدته - كعادته - أجازها بغير دليل على الإطلاق سوى مجرد الدعوى!! ولكنه خصص الجواز بأن تكون بمعنى (ضد)، وهذا الكلام مبني على صحة قياسية التضمين، وهي مسألة كثر الكلام فيها بين المعاصرين، والأكثرون من المعاصرين يجوزونه قياسا، وهو خطأ محض مبني على الخلط في فهم كلام أهل العلم في هذه المسألة، وقد ذكر ابن السيد البطليوسي في شرح الاقتضاب إجماع الكوفيين والبصريين على أن التضمين سماعي.
أخي الكريم حامدا الأنصاري
لم أفهم قولك (ويرد عليه قول الحريري ... إلخ)؛ فإن كلام الحريري ليس فيه شيء متعلق بكلام ابن الحنبلي، وكذلك فابن الحنبلي متأخر عن الحريري بزمن.
وأيضا لم أفهم قولك (ومع هذا ألا ترى معي أن ما حررته آنفا عن مجمع اللغة العربية أنه يتقرر فيما خالف فيه العلماء مسلمات لغة العرب)
ـ[عامر بن بهجت]ــــــــ[08 - Jun-2007, صباحاً 12:33]ـ
محاورة نافعة، بديعة ماتعة
شكر الله لكم
ـ[أبو مالك العوضي]ــــــــ[09 - Jun-2007, مساء 03:14]ـ
الأخ الكريم الباحث الفاضل (حامد الأنصاري)
لا بد من تقرير قاعدة مهمة في هذا البحث قبل الحكم بالخطأ والصواب، وهي (هل يشترط في كل لفظ لإدخال "أل" عليه أن يسمع من العرب كذلك؟)، يعني إذا سمعت من العرب "سماء" "أرض" "طعام" "رجل" "طويل" ... إلخ فهل يشترط أن أسمعها أيضا معرفة بـ"أل" حتى أستطيع أن أستعملها معرفة؟
فإن كان الجواب بـ"نعم"، فيكون الاعتراض بكثير من الكلم الذي سمع عن العرب معرفا فقط أو منكرا فقط، ومع ذلك لم يختلف أهل العلم في إدخال "أل" عليه أو حذفها منه.
وإن كان الجواب بـ"لا" فيكون السؤال: إذن يكون الذي ينكر استعمال (الغير) هو المطالَب بالدليل؛ لأن المجيز يكون جاريا على الأصل المذكور في القاعدة السابقة.
¥