فالعلماء مختلفون في جواز نيابة (أل) عن المضاف إليه، قال الفراء في كتابه معاني القرآن عقب قول الله تبارك وتعالى: {جَنَّاتِ عَدْنٍ مُّفَتَّحَةً لَّهُمُ الْأَبْوَابُ} [ص: 50]: ((تُرفَعُ (الأبواب)؛ لأنّ الْمعنى: مفتحة لهم أبوابها، والعرب تَجعل الألف واللام خَلَفاً من الإضافة فيقولون: مررت على رجلٍ حسنةٍ العينُ قبيحٍ الأنفُ، والْمعنى: حسنةٍ عينُه قبيحٍ أنفُه .. )) ([14])، وقد نقل أبوحيان في البحر المحيط ([15]) جوازه عن عامة الكوفيين، ومنعه عن البصريين، وقال به من البغداديين الزمخشري في الكشاف فإنّه قال عقب قول الله سبحانه وتعالى: {َإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوَى} [النازعات: 41]: ((والْمعنى: فإنَّّ الْجحيم مأواه كما تقول للرجل: (غض الطَّرْفَ تريد طرفك).)) (4).

وما دامت المسألة خلافية فلا تصح أن تكون نصّاً في جواز نيابة (أل) عن المضاف إلى (غير) وأمثالها مع وجود الفارق بينها وبين ما مُثِّل به فهذه ملازمة للإضافة، وتلك غير ملازمة لَها.

السبب الثاني: خلاف مُجيزي نيابة (أل) عن المضاف إليه في ماهيته.

فالكوفيون أجازوا نيابة (أل) عن المضاف إليه الواقع ضميراً غائباً فحسب، ولهذا قال ابن هشام الأنصاري: ((والمعروف من كلامهم إنما هو التمثيل بضمير الغائب)) ([16])، بينما أجاز الزمَخشري أن يكون المضاف إليه اسْماً ظاهراً فقد قال عقب قوله تبارك وتعالى: {وَعَلَّمَ آدَمَ الأَسْمَاء كُلَّهَا ثُمَّ عَرَضَهُمْ عَلَى الْمَلاَئِكَةِ فَقَالَ أَنبِئُونِي بِأَسْمَاء هَؤُلاء إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ} [البقرة: 31]: ((أي: أسْماء الْمسميات فحذف الْمضاف إليه؛ لكونه معلوما مدلولاََ عليه بذكر الأسْماء؛ لأنّ الاسم لا بد له مِن مسمى، وعوض منه اللام)) ([17]).

إذا عُلم هذا بان عدم صحة القول بجواز دخول (أل) على (غير) ـ مطلقاً ـ اعتماداً على هذا القول؛ لاختلاف مُجِيزِي نيابة (أل) عن الْمضاف إليه في صحة تلك النيابة.

السبب الثالث: خلاف العلماء في ماهية (أل) النائبة عن المضاف إليه

اختلف العلماء في ماهية (أل) النائبة عن الْمضاف إليه على قولين، فالزمخشري يرى أنها للتعريف ([18])، بينما يرى ملك النحاة ([19]) أنها للمعاقبة جاء في كتاب تهذيب الأسْماء واللغات نقلا عنه: ((قال: وعندي أنه تدخل اللام على (غير، وكل، وبعض) فيقال: (فعل الغير ذلك، والكل خير من البعض)، وهذا؛ لأن الألف واللام هنا ليستا للتعريف ولكنها المعاقبة للإضافة)) ([20]).

وعلى هذا فخلاف العلماء في ماهية (أل) النائبة عن المضاف إليه يُضعِف القول بإفادة (أل) التي أُدخِلت على (غير) معنى التعريف.

السبب الرابع: أنّ كلَّ ما مثل به العلماء في هذه المسالة إنما هو من باب الأسْماء التي لا تلازم الإضافة، وعلى هذا فلا يَجوز قياس (غير) وأمثالها على ما مثّل به العلماء في هذه الْمسالة.

إذا عُلِم هذا بان أنَّ الْخلاف الْمتشعب في مسائل نيابة (أل) عن المضاف إليه يدل على عدم قوة القول بِجواز دخول (أل) على (غير) وأمثالها اعتماداً على هذه الْمسألة، ويشهد لذلك ـ أيضاً ـ عدم الاطلاع على شاهد في كتب الزمخشري التي اطلعت عليها دخلت فيه (أل) على (غير) مع تقَدُّم تَجويزه لنيابة (أل) عن الْمضاف إليه مطلقاً فدل ذلك على أنَّ تَجويزَه عامٌ في الأسْماء التي لَم تُلازم الإضافة، أما الأسْماء الْملازمة للإضافة لفظاً أو معنى فيمنعها لزوم الإضافة من دخول (أل) عليها.

الدليل الثاني: حمل (غير) على الضد

وهذا الدليل استدل به النَّوَوِّي في كتابه تهذيب الأسْماء واللغات على جواز دخول (أل) على (غير) فقال: ((ثم إِنّ الغير يحمل على الضد، والكل يحمل على الجملة، والبعض يحمل على الجزء فصلح دخول الألف واللام ـ أيضا ـ من هذا الوجه، والله تعالى أعلم.)) ([21]).

فهو ـ هنا ـ أجاز دخول (أل) على (غير) بِحملها على مرادفها (الضد)، وهذا ليس بِمُسَلَّمٍ على إطلاقه؛ لأنَّ (غير) وإن كانت تدل على معنى من معاني (الضد) فهي تدل على ضدية خاصة تتمثل في معايرة مِن عدة أوجه للاسم الذي قبلها، وهذا ما لا تدل عليه كلمة (الضد) ـ والله تعالى أعلم ـ.

¥

طور بواسطة نورين ميديا © 2015