المذهب الثاني: أن كلمة (غير) يَجوز قطعها عن الإضافة، وهذا ما يُفهَمُ من قول الفخر الرازي: ((إذا قلت: (غير زيد) صار في غاية الإبهام فإنه يتناول أموراً لا حصر لها، وأما إذا قطعته عن الإضافة ربما تقول: (الغير والمغايرة) من باب واحد، وكذلك التغير فتجعل الغير كأسْماء الأجناس.)) ([7]).

والراجح ـ والله تعالى أعلم ـ أن كلمة (غير) لا تُقطع عن الإضافة إذا كانت بالْمعنى الذي تقدم تقريره إلا بدليل سَماعي يُخرِجُها عن قياسها، وهو الإضافة، وما ورد منها في القرآن الكريم يُؤيد ذلك، كما يؤيده حصر النحاة هذه النكرات مع (قبل، وبعد).

أمّا قول علماء اللغة: (الغَيْر) فلم يُطَّلَع على دليل مسموع من كلام العرب يُعضّد ذلك إذا كانت هذه الكلمة تدل على معنى الْمغايرة.

ـ الْخلاف في تَجويز دخول (أل) على كلمة (غير)

اختلف العلماء في جواز دخول (أل) على كلمة (غير)، بناء على اختلافهم في جواز قطعها عن الإضافة، فمَن مَنَع قطعها عن الإضافة منع دخول (أل) عليها، ومَنْ أجاز قطعها عن الإضافة لفظاً ومعْنىً أجاز إدخال (أل) عليها، إذا علم هذا بان أن الخلاف بينهم منحصر في مذهبين:

الْمذهب الأول: الْمنع، وهو مذهب جمع مِن علماء اللغة، والنحو، والتفسير ([8])، وهو ما صرّح به سيبويه فقال: ((و (غير) … ليس باسم متمكن ألا ترى أنها لا تكون إلا نكرة، ولا تُجمع ولا تدخلها الألف واللام، وكذلك (حَسْبك).)) ([9]).

ولعل منع دخول (أل) على كلمة (غير) ينطبق على شبيهاتها من النكرات الْمتوغلة في الإبهام؛ بدليل قول سيبويه ـ هنا ـ: (وكذلك (حَسْبك).)، وقول ابن يعيش في كتابه شرح المفصل: ((فهذه الأسْماء كلها تلزم الإضافة ولا تفارقها، وإذا أفردت كان معناها على الإضافة؛ ولذلك لا يحسن دخول الألف واللام عليها فلا يقال: (المثل، ولا الشبه) …)) ([10])، وقول الصبان في حاشيته على شرح الأشموني: ((ينبغي أن هذه الكلمات كما لا تتعرف بالإضافة إلا فيما استثنى لا تتعرف بـ (أل) ـ أيضاً ـ؛ لأن المانعَ من تعريفها بالإضافة مانع من تعريفها بـ (أل).)) ([11]).

الْمذهب الثاني: جواز دخول (أل) على (غير)، وقد صرَّح به الفخر الرازي فِي التفسير الكبير فقال: ((إذا قلت: (غير زيد) صار في غاية الإيهام فإنه يتناول أموراً لا حصر لها، وأمَّا إذا قطعته عن الإضافة ربّما تقول: (الغير، والْمغايرة) مِن باب واحد، وكذلك التغير فتجعل الغير كأسْماء الأجناس)) ([12]).

الراجح ـ والله تعالى أعلم ـ منع دخول (أل) على (غير) وشبيهاتها من النكرات؛ لعدة أوجه:

الوجه الأول: عدم مجيء ذلك في نص مسموع صحيح مُحتج به.

الوجه الثاني: ملازمة كلمة (غير) للإضافة لفظاً أو معنىً ـ كما عُلِمَ ـ وهذا يَمنع قطعاً دخول (أل) عليها؛ لأن الإضافة لا تَجتمع مع (أل) التعريف، ثم إنه حتى وإن سُلِّمَ بِجواز ذلك فذلك مشروط بكونها مضافة إضافة لفظية لا تستفيد تعريفاً ولا تخصيصاً.

قال سيبويه: ((واعلم أنَّه ليس في العربية مضافٌ يَدخل عليه الألفُ واللام غيرُ الْمضاف إلى الْمعرفة في هذا الباب وذلك قولك: (هذا الحَسَنُ الوجهِ) أدخلوا الألفَ واللام على (حسنِ الوجهِ)؛ لأنه مضافٌ إلى معرفة لا يكون بها معرفةً أبداً فاحتاجَ إلى ذلك حيث مُنعَ ما يكون في مثله ألبتَّةَ ولا يُجاوَزُ به معنى التنوين.)) ([13]).

الوجه الثالث: أنّ ما يستدل به بعضهم على جواز دخول (أل) على كلمة (غير) لا يرتفع إلى مرتبة الدليل الراجح؛ إما لكونه دليلاً لا ينهض لذلك، أو لكونه مُختلفاً فيه.

ـ أدلة مُجِيزِي دخول (أل) على (غير) وأخواتها

قد يقول قائل: هناك أدلة يَجوز الاستدلال بها على جواز دخول (أل) على كلمة (غير)، وسأتناول هذه الأدلة واحداً تِلْوَ الآخر مبيناً ما لَها، وما عليها.

الدليل الأول: جواز نيابة (أل) عن الْمضاف إليه

وهذا الدليل ليس بِمُسَلَّمٍ على إطلاقه؛ لثلاثة أسباب:

السبب الأول: خلاف العلماء في جواز ذلك.

¥

طور بواسطة نورين ميديا © 2015