ـ[حامد الأنصاري]ــــــــ[03 - Jun-2007, صباحاً 10:28]ـ
القول الفصل في عدم جواز تعريف (غير) بـ (أل)
بسم الله، والحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله
أما بعد فإن الناظر في كلام الكُتَّابَ المعاصرين وبعض المتأخرين يجد أنهم يُدْخِلُون اللام على كلمة (غير) كثيراً مع مخالفة ذلك لكلام الله عزوجل، وكلام رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكلام العرب المنثور والمنظوم؛ ولتحرير رجحان ذلك من عدمه لابد من ذكر مقدمتين وبيان خلاف العلماء في إدخال (أل) على (غير)
المقدمة الأولى: مذاهب العلماء في جواز تعريف (غير)
للعلماء مذهبان في ذلك:
الْمذهب الأول: أن (غير) لا تتعرف مطلقاً، قال ابن السراج في كتابه الأصول في النحو: ((واعلم أن من الأسْماء مضافات إلى معارف، ولكنها لا تتعرف بها لأنها لا تَخص شيئا بعينه، فمن ذلك: (مثلك، وشبهك، وغيرك) تقول: (مررت برجلٍ مثلِك، وبرجلٍ شبهِك، وبرجلٍ غيرِك)، فلو لَم يكنَّ نكرات ما وصف بهن نكرة، وإنَّما نكَّرهنَّ معانيهن، ألا ترى أنّك إذا قلت: (مثلك) جاز أن يكون مثلك في طولك، أو لونك، أو في علمك، ولن يُحاط بالأشياء التي يكون بها الشيء مثل الشيء؛ لكثرتها، وكذلك (شبهك)، وأما (غيرك) فصار نكرة؛ لأنَّ كل شيء مثل الشيء عداك فهو (غيرك).)) ([1]).
ومِن أدلة بقاء (غير) على التنكير وإن أُضيفت إلى الْمعارف كثرة وجوه الْمغايرة، ودخول (رُبّ) عليها، ومَجيئها نعتاً لنكراتٍ، ففي قول الله تبارك وتعالى: {قَالَ لَئِنِ اتَّخَذْتَ إِلَهاً غَيْرِي لَأَجْعَلَنَّكَ مِنَ الْمَسْجُونِينَ} [الشعراء: 29] أضيفت (غير) إلى الضمير مع وقوعها نعتاً لكلمة (إِلَهاً) النكرة.
ويعضد هذا قول سيبويه في الكتاب: ((و (غير) … ليس باسم متمكن، ألا ترى أنّها لا تكون إلا نكرةً ولا تْجمع ولا تدخلها الألف واللام.)) ([2]).
الْمذهب الثاني: أنّ (غير) تتعرف إذا وقعت بين ضدين، وهذا الْمذهب قال به جمع من علماء النحو والتفسير والقراءات واللغة والحديث ([3]).
ومن أمثلة ذلك وقوع كلمة (غير) بين الْمُنعَم عليهم، والْمغضوب عليهم فتعينت الْمغايرة في قول الله سبحانه وتعالى: {صِرَاطَ الَّذِينَ أَنعَمتَ عَلَيهِمْ غَيرِ المَغضُوبِ عَلَيهِمْ وَلاَ الضَّالِّينَ} [الفاتحة: 7]
فـ (غَيرِ) في الآية لَمَّا وقعت بين ضدين تعينت أوجه الْمغايرة فصح وقوعها نَعْتاً لكلمة (الذين) الْمعرفة.
المقدمة الثانية: الخلاف في جواز قطع (غير) عن الإضافة
لا شك أنّ التزام العلماء بذكر كلمة (غير) في باب الإضافة دليل على لزومها للإضافة، ولا خلاف بينهم في ذلك، وأسلوب القرآن الكريم والعرب يُعضِّدُ ذلك، ولكن الخلاف بينهم في جواز قطعها عن الإضافة لفظاً ومعنىً، ولَهم في ذلك مذهبان:
الْمذهب الأول: أن كلمة (غير) ملازمة للإضافة مطلقاً، وهو مذهب جمهور العلماء؛ لأنّ الإضافة هي الأصل، وما خالفها يعد عارضاً، قال مكي في مشكل إعراب القرآن: (((غير) اسم مبهم إلا أنه أُعْرِبَ للزومه الإضافة.)) ([4])، وهذا الْحكم ثابت لبقية أخواتها؛ لعدمِ مَجيئها في نصٍ صحيح مُحتجٍ به غير مضافة بهذا المعنى، سواء كانت الإضافة لفظية أو معنوية، بدليل قول ابن يعيش في شرح المفصل في حديثه عن الأسْماء المتوغلة في الإبهام: ((فهذه الأسْماء كلها تلزم الإضافة ولا تفارقها، وإذا أفردت كان معناها على الإضافة؛ ولذلك لا يَحسن دخول الألف واللام عليها فلا يقال: (الْمثل، ولا الشبه …)؛ لأنَّ ذلك كالْجمع بين الألف واللام ومعنى الإضافة من جهة تضمنها معنى الإضافة فيها كالْملفوظ بها، وذلك من قِبل أنَّ (مثلا) يقتضي مُمَاثِلاً وشبهاً يقتضي مشبها به، وكذلك سائرهما من نحو: (قيد) …)) ([5])، وإلى هذا أشار ابن مالك فقال:
قَبلُ كَغَيرُ بَعدُ حَسبُ أوَّلُ وَدُونُ والجِهَاتُ أيضاً وَعَلُ ([6])
فابن مالك قاس (غير، وحسب) على (قبل، وبعد، والْجهات الست) التي لا تنفك عن الإضافة معنىً، كما هو معلوم في باب الإضافة ـ فثبت بذلك عدم صحة قطع (غير) وأخواتها عن الإضافة.
¥