ولذلك فلا يصح أن تصوب العبارة السابقة بقولنا (حصل فلان على الماجستير بل على الدكتوراه) لأن المعنى يختلف تماما.
وإنما جاز هنا استعمال (بل و) لأن هناك محذوفا مقدرا، وإنما حذف لدلالة الكلام عليه؛ لأنه من القبيح في بلاغة المتكلم أن يعيد ما ذكر قريبا إن كان ما بعده يغني عنه.
فمعنى الكلام (حصل فلان على الماجستير، بل على الماجستير والدكتوراه)، وهذا المعنى واضح من الكلام لا يقال إنه تقدير متكلف.
ولذلك فقد شاع عند أهل العلم قديما وحديثا استعمال (بل و) بغير نكير من أحد منهم، فليس هو استعمالا معاصرا أو مستحدثا.
والعلماء عندما منعوا دخول حروف العطف على بعض قصدوا الدخول الحقيقي الذي لا يكون فيه تقدير لما بينهما؛ ولذلك فليس بخطأ أن تقول مثلا: (قلت له افعل هذا ثم ذاك، بل ثم ذاك).
والشيخ عبد الفتاح أبو غدة لم يتفرد بهذا الإنكار، فهو إنكار شائع عند المعاصرين، فقد أنكره (إبراهيم السامرائي) و (صاحب أبو جناح) و (يحيى المعلمي) و (عبد الفتاح سليم) وغيرهم، نحو إنكار (إبراهيم اليازجي) و (شاكر شقير).
وأكثر هؤلاء متخصصون في العربية بخلاف أبي غدة.
ولكني أتعجب من أبي غدة أكثر من هؤلاء؛ لأن اطلاع هؤلاء على تراث الأمة وكلام أهل العلم ليس كاطلاعه، فمن المؤكد أنه قد قرأ هذا الاستعمال كثيرا في كلام أهل العلم، ولكن الذي يبدو لي أن أبا غدة متشدد في باب الأغلاط اللغوية.
وأما العلماء الذين استعملوا هذا الاستعمال؛ فمنهم: ابن حزم، والإمام النووي، وابن خلدون، والقرافي، وشيخ الإسلام ابن تيمية، والحافظ الذهبي، والحافظ ابن حجر، والحافظ ابن رجب، وابن القيم، وابن كثير، وابن الرفعة، وابن اللحام، والشنقيطي وغيرهم كثير جدا.
واستعملها أيضا من اللغويين: الراغب الأصفهاني، وأبو حيان النحوي، والفيروزآبادي صاحب القاموس، والسمين الحلبي، وابن هشام، وغيرهم.
وأبو البركات الأنباري كثيرا ما يقول في الإنصاف (وبل) بتقديم الواو!! ولم يعلق عليه الشيخ محمد محيي الدين مرة واحدة.
ولا يقال هنا إن كل هؤلاء من المتأخرين فلا يحتج بكلامهم؛ لأننا نقول: هذا الاستعمال شائع عندهم، فلو كان خطأ لما جاز في مجاري العادات أن يجتمعوا على إقرار ذلك، فما بالنا لم نر أحدا أنكره إلا من المعاصرين؟
ويلزم من يطرد المنع في هذا الباب أن يمنع قولنا (بل والله) ونحوه، ولا أظن في جوازه خلافًا.
ومن هذا الباب أيضا قولهم (أو و) كما قال الحافظ العراقي في ألفية السيرة:
وبعد هجرة كذا للقدس ............. عاما وثلثا أو ونصف سدس
فالخلاصة أن الذي ينكر هذا الاستعمال ينكره من باب منع دخول حروف الجر على بعض، فنقول: هذا المنع لم يسمع عن العرب، وإنما ذكره علماء النحو، ويقصدون به منع الدخول في اللفظ والتقدير معا؛ لأن هؤلاء العلماء أنفسهم يستعملون مثل هذه الاستعمالات كثيرا (بل و - وبل - ثم و - أو و .... إلخ)، فالذي يمنع من ذلك فإما أن يقول: إنهم تناقضوا فاستعملوا ما أنكروه وإما أن يقول: أخطأنا في فهم كلامهم، والثاني أولى بلا شك.
وهذا لا يمنع من أن يكون هذا الاستعمال خطأ في بعض الأحيان، وذلك إذا لم نستطع أن نقدر ما يصلح به الكلام، كأن يقال: (هذا مستحب بل وواجب)، أو (هذا رجل بل وامرأة)، أو (هذه سيارة بل وطيارة)، فهذا خطأ، ولكنه خطأ من باب تناقض الكلام لا من باب الخطأ في التركيب أو الإعراب.
وهذه بعض الأبيات التي وقفت عليها في ذلك، وكلها بعد عصور الاحتجاج:
ويحك بل ويبك بل وويكا ................ إن يديك قد جنت عليكا
لا تصغيا في الهوى لمن عذلا ................ بل واسقياني سقيتما نهلا
سأكتم سري بل وأحفظ سره ................... ولا غرو إني ما حييت كتوم
سلالة أمجاد كرام أماثل ................. وأنكى مضر بل وأعظم نافع
ويا من يزجي الفلك في البحر لطفه ................. وهن جوار بل وهن رواكد
والله أعلم.
أذكر أني سمعتُ الشيخَ الحازمي يقول مثل هذا في شرحه للورقات عند بيت:
وليس في المباح مِن ثوابِ ...... فعلا وتركا بل ولا عقابِ
جزاكم الله خيرًا شيخنا الفاضل
ـ[فتح البارى]ــــــــ[01 - May-2010, مساء 06:26]ـ
السلام عليكم
بعد أن قرأتُ ردي السابق خشيتُ أن يُفهمَ من كلامي أن الشيخ الحازمي يقول بالجواز.
أنا أردتُ أن أذكر أنه يقول بالمنع مثل الذين ذكرهم أبو مالك.
فعلى ما أذكر أنه قال: (تسمع ولا يقاس عليها).
وأعتذر على تطفلي ..
بارك الله فيكم
ـ[أبو مالك العوضي]ــــــــ[02 - May-2010, صباحاً 09:09]ـ
وفقك الله وسدد خطاك
لم يقل أحد من هؤلاء الذين ذكرتهم إنها تسمع ولا يقاس عليها، والمسألة لا تحتمل هذا القول، فإما الجواز وإما عدم الجواز.
ـ[فتح البارى]ــــــــ[02 - May-2010, صباحاً 09:49]ـ
السلام عليكم أخي الكريم
رجعتُ إلى كلام الشيخ الحازمي فوجدتُه قال (في الشرح الموسع، الشريط الثاني عشر، الدقيقة 38): (القياس المطرد في لغة العرب أنَّ الواو لا تزاد بعد بل، سمع في فصيح الكلام من قول عليّ 1 - رَضِيَ اللَّهُ عَنهُ -: [بل ولما ينال الناسَ من الخير] ولكن هذا خلاف القياس، يسمع ولا يقاس عليه .. ) اهـ
فأرجو توضيح الفرق بين هذا وبين القول بعدم الجواز؟
بارك الله فيكم
¥