والعلماء عندما منعوا دخول حروف العطف على بعض قصدوا الدخول الحقيقي الذي لا يكون فيه تقدير لما بينهما؛ ولذلك فليس بخطأ أن تقول مثلا: (قلت له افعل هذا ثم ذاك، بل ثم ذاك).

والشيخ عبد الفتاح أبو غدة لم يتفرد بهذا الإنكار، فهو إنكار شائع عند المعاصرين، فقد أنكره (إبراهيم السامرائي) و (صاحب أبو جناح) و (يحيى المعلمي) و (عبد الفتاح سليم) وغيرهم، نحو إنكار (إبراهيم اليازجي) و (شاكر شقير).

وأكثر هؤلاء متخصصون في العربية بخلاف أبي غدة.

ولكني أتعجب من أبي غدة أكثر من هؤلاء؛ لأن اطلاع هؤلاء على تراث الأمة وكلام أهل العلم ليس كاطلاعه، فمن المؤكد أنه قد قرأ هذا الاستعمال كثيرا في كلام أهل العلم، ولكن الذي يبدو لي أن أبا غدة متشدد في باب الأغلاط اللغوية.

وأما العلماء الذين استعملوا هذا الاستعمال؛ فمنهم: ابن حزم، والإمام النووي، وابن خلدون، والقرافي، وشيخ الإسلام ابن تيمية، والحافظ الذهبي، والحافظ ابن حجر، والحافظ ابن رجب، وابن القيم، وابن كثير، وابن الرفعة، وابن اللحام، والشنقيطي وغيرهم كثير جدا.

واستعملها أيضا من اللغويين: الراغب الأصفهاني، وأبو حيان النحوي، والفيروزآبادي صاحب القاموس، والسمين الحلبي، وابن هشام، وغيرهم.

وأبو البركات الأنباري كثيرا ما يقول في الإنصاف (وبل) بتقديم الواو!! ولم يعلق عليه الشيخ محمد محيي الدين مرة واحدة.

ولا يقال هنا إن كل هؤلاء من المتأخرين فلا يحتج بكلامهم؛ لأننا نقول: هذا الاستعمال شائع عندهم، فلو كان خطأ لما جاز في مجاري العادات أن يجتمعوا على إقرار ذلك، فما بالنا لم نر أحدا أنكره إلا من المعاصرين؟

ويلزم من يطرد المنع في هذا الباب أن يمنع قولنا (بل والله) ونحوه، ولا أظن في جوازه خلافًا.

ومن هذا الباب أيضا قولهم (أو و) كما قال الحافظ العراقي في ألفية السيرة:

وبعد هجرة كذا للقدس ............. عاما وثلثا أو ونصف سدس

فالخلاصة أن الذي ينكر هذا الاستعمال ينكره من باب منع دخول حروف الجر على بعض، فنقول: هذا المنع لم يسمع عن العرب، وإنما ذكره علماء النحو، ويقصدون به منع الدخول في اللفظ والتقدير معا؛ لأن هؤلاء العلماء أنفسهم يستعملون مثل هذه الاستعمالات كثيرا (بل و - وبل - ثم و - أو و .... إلخ)، فالذي يمنع من ذلك فإما أن يقول: إنهم تناقضوا فاستعملوا ما أنكروه وإما أن يقول: أخطأنا في فهم كلامهم، والثاني أولى بلا شك.

وهذا لا يمنع من أن يكون هذا الاستعمال خطأ في بعض الأحيان، وذلك إذا لم نستطع أن نقدر ما يصلح به الكلام، كأن يقال: (هذا مستحب بل وواجب)، أو (هذا رجل بل وامرأة)، أو (هذه سيارة بل وطيارة)، فهذا خطأ، ولكنه خطأ من باب تناقض الكلام لا من باب الخطأ في التركيب أو الإعراب.

وهذه بعض الأبيات التي وقفت عليها في ذلك، وكلها بعد عصور الاحتجاج:

ويحك بل ويبك بل وويكا ................ إن يديك قد جنت عليكا

لا تصغيا في الهوى لمن عذلا ................ بل واسقياني سقيتما نهلا

سأكتم سري بل وأحفظ سره ................... ولا غرو إني ما حييت كتوم

سلالة أمجاد كرام أماثل ................. وأنكى مضر بل وأعظم نافع

ويا من يزجي الفلك في البحر لطفه ................. وهن جوار بل وهن رواكد

والله أعلم.

ـ[المستوى]ــــــــ[30 - صلى الله عليه وسلمpr-2010, صباحاً 07:14]ـ

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

أفادني الموضوع تماما وأردت السؤال عن أمر نحوي لغوي

كلنا نعرف أن القاعدة تقول أن تمييز العدد (100+ 1000) المائة والألف ومضاعفاتها يكون مفرد مجرور للإضافة فلم ورد جمعا في قوله تعالى في سورة الكهف (ثلاثمائة سنين وازدادو تسعا) وشكرا لكم

ـ[فتح البارى]ــــــــ[30 - صلى الله عليه وسلمpr-2010, مساء 03:33]ـ

السؤال:

ذكر الشيخ عبد الفتاح أبو غدة أن استعمال (بل و) خطأ، على انتشاره في كلام العلماء المتأخرين، فهل هذا صحيح؟

الجواب:

هذا الاستعمال صواب، وإن كان من الشائع عند كثير ممن تكلم في الأخطاء اللغوية أنه خطأ.

وبيان ذلك أن المتكلم بهذا الأسلوب لا يمكن أن يقصد عطف الحرف على حرف، بل هذا العطف يفسد المعنى.

فإن الذي يقول مثلا: (حصل فلان على الماجستير بل وعلى الدكتوراه)؛ إنما يقصد أنه حصل عليهما معا، لا يقصد الإضراب عن الأول وإثبات الثاني.

¥

طور بواسطة نورين ميديا © 2015