2 - وقال في آية أخرى:" لا جناح عليكم إن طلقتم النساء ما لم تمسوهنّ أو تفرضوا لهنّ فريضة، ومتعوهنّ على الموسع قدره وعلى المقتر قدره متاعاً بالمعروف حقاً على المحسنين. وإن طلقتموهنّ من قبل أن تمسوهنّ وقد فرضتم لهنّ فريضة فنصف ما فرضتم ..... " (76).
وجه الدلالة من الآيتين أنّ الله – سبحانه وتعالى – أوجب للمطلقات عموماً المتعة، ثم جاءت الآية الثانية من سورة الأحزاب مبينة المتعة لصنف معين من المطلقات، وهنّ المطلقات قبل الدخول، فبينت أنّ المتعة تكون لمن طلقت قبل الدخول ولم يفرض لها المهر، أما من طلقت وقد فرض لها المهر فلا تستحق إلاّ نصف المهر.
يقول الشيرازي – رحمه الله –: (وإن فرض لها المهر لم تجب لها المتعة لأنّه لما أوجب بالآية لمن لم يفرض لها دل على أنّه لا يجب لمن فرض لها، ولأنّه حصل لها في مقابلة الابتذال نصف المسمّى فقام ذلك مقام المتعة) (77).
فالآية القرآنية بينت حال قسمين من أقسام المطلقات: القسم الأول وهي المطلقة قبل الدخول وقبل فرض المهر؛ وهذه أوجب الله لها المتعة. والقسم الثاني: المطلقة قبل الدخول وبعد فرض المهر وهذه أوجب الله لها نصف المهر.
يقول زكريّا الأنصاري – رحمه الله –: (فصل في المتعة: وهي مال يجب على الزوج دفعه لامرأته لمفارقته إياها بشروط. كما قلت يجب عليه لزوجة لم يجب لها نصف مهر فقط بأن وجب لها جميع المهر أو كانت مفوضة لم توطأ ولم يفرض لها شيء صحيح متعة بفراق، أما في الأولى فلعموم:" وللمطلقات متاع بالمعروف"، وخصوص:" فتعالين أمتعكن" ولأنّ المهر في مقابلة منفعة بضعها وقد استوفاها الزوج فتجب للإيحاش متعة، وأمّا في الثانية فلقوله تعالى" لا جناح عليكم إن طلقتم النساء ما لم تمسوهنّ أو تفرضوا لهنّ فريضة ومتعوهنّ "، ولأنّ المفوضة لم يحصل لها شيء فيجب لها متعة للإيحاش بخلاف من وجب لها النصف فلا متعة لها لأنه لم يستوف منفعة بضعها فيكفي نصف مهرها للإيحاش ولأنه تعالى لم يجعل لها سواه بقوله" فنصف ما فرضتم") (78).
مناقشة الأدلة:
يمكن الإجابة على الاستدلال بالآيات القرآنية كما أجيب على غيرها من أنّ ادعاء التخصيص يحتاج إلى دليل، والآيات الأخرى جاءت عامة واضحة في شأن إعطاء كل المطلقات متعتها، وإخراج قسم منها يحتاج إلى دليل.
المطلب الخامس: الترجيح ومناقشة الأدلة.
بعد هذا العرض لأقوال العلماء في حكم المتعة للمطلقات، وبعد استعراض الأدلة ومناقشتها يتبين لي أنّ الراجح في المسألة هو القول القائل: إنّ المتعة واجبة لكل المطلقات، سواء المفروض لها أو التي لم يفرض لها، وسواء دخل بها أو لم يدخل بها.
وذهب إلى هذا القول كل من: الحنابلة في قول، والظاهرية، وقال به أيضاً كل من علي بن أبي طالب والحسن – رضي الله عنهما – وسعيد بن جبير، والزهري وقتادة والضحاك وأبي ثور، ورجّح هذا القول كل من ابن حجر في الفتح، وابن تيمية – رحمهم الله جميعاً –، ولكنّ المطلقة قبل الدخول التي فرض لها المهر تكون متعتها نصف المهر ولا تستحق شيئاً غيره.
وذلك للأسباب التالية:
1 - قوله تعالى:" وللمطلقات متاع بالمعروف حقاً على المتقين"، فهذه الآية الكريمة أعطت الحق لجميع المطلقات بلا استثناء في المتعة، وقد جاءت مؤكدةً وجوب هذه المتعة على الأزواج بجعلها حقاً على المتقين، ولا يكون هذا الأمر إلاّ في الواجبات، فالحق واجب الأداء، وعلى كل المسلمين أن يكونوا متقين لربهم ممتثلين لأوامره، وليس الأمر كما ادعى المالكية بأنّ الخطاب للمتقين أخرج الأمر من الوجوب إلى الاستحباب، بل هو مؤكد للوجوب.
2 - قوله تعالى:" يا أيها النبي قل لأزواجك إن كنتنّ تردن الحياة الدنيا وزينتها فتعالين أمتعكنّ وأسرحكنّ سراحاً جميلاً "، وهذا الخطاب من الله لنبيه – صلى الله عليه وسلم – أن يخير زوجاته بين البقاء معه وبين مفارقته، ومن تختار المفارقة فإنها تستحق حينئذ المتعة، ومعلوم أنّ نساء النبي – صلى الله عليه وسلم – مدخول بهنّ مفروض لهنّ المهر، ممّا يدل على أنّ المتعة ليست مختصة بصنف
معين من المطلقات دون الآخر، وخطاب الله لنبيه هو خطاب للأمة.
¥