وجه الدلالة من الآية: أنّ الله – سبحانه وتعالى – أوجب في هذه الآية المتعة لصنف من أصناف المطلقات وهي المطلقة قبل الدخول وقبل فرض المهر لها، وجاء لفظ التمتيع بصيغة الأمر، ومعروف أنّ الأمر يقتضي الوجوب ما لم توجد قرينة صارفة من الوجوب إلى الندب، كما أنّ في الآية قرينة على أنّ الأمر بالتمتيع هنا هو للوجوب، وذلك في قوله تعالى"حقاً على المحسنين"، والأصل أن يتصف كل المسلمين بصفة الإحسان، ولا تختص هذه الصفة بفئة من المسلمين دون غيرهم.
يقول الثعالبي– رحمه الله –: (والظاهر حمل المتعة على الوجوب لوجوه منها صيغة الأمر ومنها قوله حقا ومنها من جهة المعنى ما يترتب على إمتاعها من جبر القلوب وربما أدى ترك ذلك إلى العداوة والبغضاء بين المؤمنين) (69).
ويقول الجصاص– رحمه الله – في دلالة الآيتين السابقتين على الوجوب http://www.alfeqh.com/montda/style_emoticons/default/sad.gif فقد حوت هذه الآيات الدلالة على وجوب المتعة من وجوه: أحدها قوله تعالى "فمتعوهن" لأنّه أمر والأمر يقتضي الوجوب حتى تقوم الدلالة على الندب، والثاني قوله تعالى"متاعاً بالمعروف حقاً على المحسنين" تأكيد لإيجابه إذ جعلها من شرط الإحسان وعلى كل أحد أن يكون من المحسنين وكذلك قوله تعالى"حقاً على المتقين" قد دل قوله حقاً عليه على الوجوب وكذلك قوله تعالى"فمتعوهن وسرحوهن سراحاً جميلاً" قد دل على الوجوب من حيث هو أمر وقوله تعالى "وللمطلقات متاع بالمعروف" يقتضي الوجوب أيضا لأنه جعلها لهم وما كان للإنسان فهو ملكه له المطالبة به كقولك هذه الدار لزيد) (70).
3 - قوله تعالى:" يا أيها النبي قل لأزواجك إن كنتنّ تردن الحياة الدنيا وزينتها فتعالين أمتعكنّ وأسرحكنّ سراحاً جميلاً " (71).
وجه الدلالة من الآية أنّ الله سبحانه وتعالى أمر نبيه – صلى الله عليه وسلم - أن يخير نساءه بين البقاء معه، أو مفارقته، ومن تختار الطلاق تستحق حينئذ المتعة، ولو لم تكن المتعة واجبة لما أمر الله نبيه – صلى الله عليه وسلم - أن يمتع من تختار الطلاق من نسائه، ومعلوم أنّ نساء النبي مدخول بهنّ ومفروض لهنّ، وفي هذا دليل على أنّ المتعة ليست مختصة بغير المدخول بها أو غير المفروض لها (72).
يقول الطبري– رحمه الله –: (يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم قل يا محمد لأزواجك إن كنتنّ تردن الحياة الدنيا وزينتها فتعالين أمتعكنّ، يقول فإني أمتعكنّ ما أوجب الله على الرجال للنساء من المتعة ثم فراقهم إياهنّ بالطلاق بقوله ومتعوهن على الموسع قدره وعلى المقتر قدره متاعاً بالمعروف حقاً على المحسنين) (73).
4 - قوله تعالى:" يا أيها الذين آمنوا إذا نكحتم المؤمنات ثمّ طلقتموهنّ من قبل أن تمسّوهن فما لكم عليهن من عدة تعتدونها فمتعوهنّ وسرحوهنّ سراحاً جميلاً" (74).
وجه الدلالة من الآية أنّ الله – تعالى – أوجب المتعة للمطلقة قبل الدخول سواء فرض لها مهر، أو لم يفرض لها المهر، وجاء التمتيع بصيغة الأمر الذي يفيد الوجوب، وهذا الذكر لهذا الصنف من المطلقات يدل على أنّ الله سبحانه وتعالى لم يختص فئة من المطلقات بالمتعة دون فئة أخرى، بل هذا التنويع في بيان المتعة للمطلقات يدل على أنّ المتعة تشمل جميع الأصناف من المطلقات، ولا يوجد دليل على اختصاص قسم دون آخر بهذه المتعة.
مناقشة الأدلة:
1 - من ذهب إلى عدم وجوب المتعة فأجاب عن هذه الأدلة بأنّها لا تفيد الوجوب بدليل أنّ الله لم يقدرها بمقدار معين، كما أنّه خصّ ذلك بالمتقين والمحينين دون غيرهم من المسلمين، وهذا لا يكون في شأن الواجبات.
2 - وأمّا من ذهب إلى وجوبها لفئة معينة من المطلقات دون غيرها، فقد استدل ببعض هذه الآيات وذهب إلى أنّها ناسخة لآيات البقرة التي أوجبتها لكل المطلقات، أو ذهب إلى أنّها التخصيص.
سادساً: أدلة القائلين بأنّ المتعة واجبة لكل المطلقات ماعدا المطلقة قبل الدخول التي فرض لها المهر.
استدل الذين قالوا إنّ المتعة واجبة لكل المطلقات إلاّ المطلقة قبل الدخول التي فرض لها المهر، فإنّ لها نصف المهر ولا متعة لها بالأدلة التالية:
1 - قوله تعالى:" وللمطلقات متاع بالمعروف حقاً على المتقين" (75).
¥