وجه الدلالة من الآيات أنّ الله – سبحانه وتعالى – خصّ في الآية الأولى المطلقات قبل الدخول بوجوب المتعة لهنّ، ثم في الآيتين من سورة البقرة، بين أنّ المختص بالمتعة هي المطلقة قبل الدخول وقبل فرض المهر، أما المطلقة قبل الدخول وبعد فرض المهر فإنّها تستحق نصف المهر ولا تستحق المتعة، واعتبر أصحاب هذا الرأي أنّ هذه الآيات ناسخة لآيات البقرة التي أوجبت المتعة لكل المطلقات.
يقول القرطبي – رحمه الله – (فذكر الله تعالى هذه الآية والتي بعدها مطلقة قبل المسيس وقبل الفرض، ومطلقة قبل المسيس وبعد الفرض، فجعل للأولى المتعة، وجعل للثانية نصف الصداق لما لحق الزوجة من دحض العقد ووصم الحل الحاصل للزوج بالعقد، وقابل المسيس بالمهر الواجب) (62).
ويقول ابن قدامة – رحمه الله – (ولنا قوله تعالى " لا جناح عليكم إن طلقتم النساء ما لم تمسوهنّ أو تفرضوا لهنّ فريضة، ومتعوهنّ" ثم قال:" وإن طلقتموهنّ من قبل أن تمسوهنّ وقد فرضتم لهنّ فريضة فنصف ما فرضتم" فخص الأولى بالمتعة والثانية بنصف المفروض مع تقسيمه النساء قسمين، وإثباته لكل قسم حكماً فيدل ذلك على اختصاص كل قسم بحكمه) (63).
وقال الكاساني – رحمه الله –: (ولنا قوله تعالى" لا جناح عليكم إن طلقتم النساء ما لم تمسوهنّ أو تفرضوا لهنّ فريضة، ومتعوهن" ومطلق الأمر وجوب العمل والمراد من قوله عز وجل " أو تفرضوا " أي ولم تفرضوا ألا ترى أنّه عطف عليه قوله تعالى"وإن طلقتموهنّ من قبل أن تمسوهنّ وقد فرضتم لهنّ فريضة فنصف ما فرضتم" ولو كان الأول بمعنى ما لم تمسوهنّ وقد فرضوا لهنّ أو لم يفرضوا لما عطف عليه المفروض وقد تكون أو بمعنى الواو، قال الله عز وجل"ولا تطع منهما آثما أو كفوراً " أي ولا كفوراً) (64).
3 - من المعقول: أنّ الله سبحانه وتعالى أعطى المطلقة بعد الدخول مهرها كاملاً، وأعطى المطلقة قبل الدخول نصف المهر، وذلك كله لما يلحق المرأة من آثار ناتجة عن حل عقد الزواج، فإن كانت المطلقة قبل الدخول لا مهر مسمى لها فإنها تستحق المتعة للمعنى ذاته (65).
مناقشة الأدلة:
1 - أمّا الاستدلال بالآيات القرآنية فيجاب عنه بأنّ هذه الآيات ذمرت حالة من حالات الطلاق التي تستحق فيه المطلقة المتعة، ولم تنفِ عن غيرها من الحالات، بمعنى أنّ الآيات لم تنص على أنّ هذه الحالة هي الوحيدة المستحقة لمتعة الطلاق.
2 - ادعاء النسخ سبق الإجابة عنه، وكما بينّا سابقاً فالأصل أن لا يلجأ إليه إلا في حالة التعارض من جميع الوجوه، ومعروف أنّ إعمال النصوص خير من إهمال بعضها، ومن ادعى النسخ فعليه الإتيان بالدليل على دعواه.
3 - وأمّا الاستدلال بالمعقول فيجاب عنه أنّ استحقاق المرأة للمهر ليس بسبب ما
يلحق به من آثار سلبية ناتجة عن انحلال العقد، وإنّما تستحق المطلقة بعد الدخول المهر كاملاً نتيجة لما استحل الزوج من فرجها، ويأتي بعد ذلك إيجاب المتعة لجميع المطلقات تعويضاً عما قد يلحقهم من آثار نتيجة لهذا الطلاق، سواء كان الطلاق قبل الدخول او بعده، بل إنّ استحقاق المطلقة بعد الدخول للمتعة آكد من استحقاق غير المدخول بها لما لذلك من آثار على المطلقة وما يلحقها من ضرر بهذا الفراق.
خامساً: أدلة القائلين بوجوب المتعة للمطلقات.
استدل الذين قالوا إنّ المتعة واجبة لكل المطلقات، سواء المفروض لها أو التي لم يفرض لها، وسواء دخل بها أو لم يدخل بها بالأدلة التالية:
1 - قوله تعالى:"وللمطلقات متاع بالمعروف حقاً على المتقين" (66).
والاستدلا بهذه الآية القرآنية من وجهين: الأول: أنّها جاءت بلفظة المطلقات، وهي لفظة عامة لم تحدد صنفاً معيناً منهنّ، وإضافة الإمتاع للمطلقات بلام التمليك أظهر في الوجوب منه في النّدب.
الثاني: أنّ الله – سبحانه وتعالى - ذكر أنّ هذا التمتيع حق واجب على المتقين، وفي هذا تأكيد لإيجابها، لأنّه يجب على كل مسلم أن يتقي الله فلا يعصيه (67).
2 - قوله تعالى: " لا جناح عليكم إن طلقتم النساء ما لم تمسوهنّ أو تفرضوا لهنّ فريضة، ومتعوهنّ على الموسع قدره وعلى المقتر قدره متاعاً بالمعروف حقاً على المحسنين" (68).
¥