2 - عن أبي أسيد - رضي الله عنه – قال: ثم خرجنا مع النبي – صلى الله عليه وسلم - حتى انطلقنا إلى حائط يقال له الشّوط، حتى انتهينا إلى حائطين فجلسنا بينهما، فقال النبي – صلى الله عليه وسلم -: اجلسوا هاهنا. ودخل وقد أتى بالجونيّة فأنزلت في بيت في نخل في بيت أميمة بنت النعمان بن شراحيل ومعها دايتها حاضنة لها، فلمّا دخل عليها النبي – صلى الله عليه وسلم - قال: هبي نفسك لي. قالت: وهل تهب الملكة نفسها للسوقة. قال: فأهوى بيده يضع يده عليها لتسكن. فقالت: أعوذ بالله منك. فقال: قد عذت بمعاذ. ثم خرج علينا فقال: يا أبا أسيد اكسها رازقيّين وألحقها بأهلها" (54).
وجه الدلالة من الحديث: أنّ النبي- صلى الله عليه وسلم – فارق زوجته وأمر بتمتيعها متعة الطلاق وكان ذلك قبل دخوله بها، فدل ذلك على أنّ المتعة لا تكون إلاّ في الطلاق قبل الدخول، والحديث يحتمل أمرين: أحدهما أنّ النبي- صلى الله عليه وسلم- لم يكن قد فرض لها مهراً فمتعها، ويحتمل أيضاً أنّه كان قد فرض لها مهراً ومتعها كذلك متعة الطلاق (55).
مناقشة الأدلة:
1 - أمّا استدلالهم بالآية الكريمة فليس فيها ما ينفي وجوب المتعة عن غير هذا القسم من المطلقات، إنّما في الآية بيان لوجوب المتعة للمطلقات قبل الدخول حتى لا يظنّ الأزواج أنّ تلك المرأة التي لم يجرب معها الحياة الزوجية لا تستحق شيئاً فيضيع حقوقها.
2 - وأمّا ادعاء النسخ، فهي دعوى بلا دليل يشهد لها. يقول ابن حزم في شأن ادعاء النسخ في هذه الآيات:" لا يصدق أحد على إبطال حكم آية منزلة إلا بخبر ثابت عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم – فكيف وليس في الآية التي ذكرت شئ يخالف التي زعم أنّها نسختها فكلتاهما حق" (56).
2 - وأمّا استدلالهم بفعل النبي – صلى الله عليه وسلم – فليس فيه دليل على عدم وجوب المتعة لغير المدخول بها، وإنّما أكثر ما يقال عن الحديث أنّه بين وجود حالة من حالات الطلاق التي تستحق فيها المطلقة المتعة وهي حالة ما إذا طلقت قبل الدخول، وليس فيها نفي أنّ غير تلك الحالة لا يجب فيها المتعة.
ثالثاً: أدلة القائلين بأنّ المتعة للمطلقة التي لم يفرض لها مهر.
استدل البخاري – رحمه الله – على رأيه بدليلين من القرآن الكريم، لكنّه لم يبين وجه الاستدلال بهما، حيث استدل بـ (57):
1 - قول الله تعالى:" لا جناح عليكم إن طلقتم النساء ما لم تمسوهنّ أو تفرضوا لهنّ فريضة، ومتعوهنّ على الموسع قدره وعلى المقتر قدره متاعاً بالمعروف حقاً على المحسنين، وإن طلقتموهنّ من قبل أن تمسوهنّ وقد فرضتم لهنّ فريضة فنصف ما فرضتم إلاّ أن يعفون أو يعفوا الذي بيده عقدة النكاح، وأن تعفوا أقرب للتقوى، ولا تنسوا الفضل بينكم إنّ الله بما تعملون بصير" (58).
2 - قوله تعالى" وللمطلقات متاع بالمعروف حقاً على المحسنين" (59).
ولكن نستطيع أن نقول إنّ مراد البخاري – رحمه الله – من هذه الآيات بيان أنّ الله أوجب المتعة للمطلقات، ولكنّه فرق بين من فرض لها مهر وبين من لم يفرض لها المهر، فجعل من لم يفرض لها المهر المتعة، ومن فرض لها المهر كالمطلقة قبل الدخول تستحق ما فرض لها وهو نصف المهر.
مناقشة الأدلة:
يمكن الإجابة عمّا استدل به البخاري بأنّ هذه الآية لم تنفِ وجوب المتعة عن غيرالمذكورات في الآية الكريمة، والآية الثانية التي ذكرها عامة تشمل جميع أنواع المطلقات، ولا يوجد دليل يدل على التخصيص أو النسخ، حيث لا تعارض بين تلك الأدلة حتى نلجأ إلى التخصيص أو إلى ادعاء النسخ.
رابعاً: أدلة القائلين بأنّ المتعة واجبة للمطلقة قبل الدخول التي لم يفرض لها المهر.
استدل القائلون بأنّ المتعة واجبة للمرأة التي طلقها زوجها قبل أن يدخل بها، وقبل
أن يفرض لها مهراً، ولا تجب لغيرها بالأدلة التالية:
1 - قوله تعالى:" يا أيها الذين آمنوا إذا نكحتم المؤمنات ثمّ طلقتموهنّ من قبل أن تمسّوهنّ فما لكم عليهنّ من عدة تعتدونها فمتعوهنّ وسرحوهنّ سراحاً جميلاً" (60).
2 - وقال تعالى في آية أخرى:" لا جناح عليكم إن طلقتم النساء ما لم تمسوهنّ أو تفرضوا لهنّ فريضة، ومتعوهنّ على الموسع قدره وعلى المقتر قدره متاعاً بالمعروف حقاً على المحسنين. وإن طلقتموهنّ من قبل أن تمسوهنّ وقد فرضتم لهنّ فريضة فنصف ما فرضتم ..... " (61).
¥