مع أنه عند تفسير قوله تعالى {وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلا مَا ظَهَرَ مِنْهَا} اختار رحمه الله قول من فسر الزينة بالوجه واليدين , وعلل ذلك بأن للمرأة أن تكشف وجهها في صلاتها لانه ليس بعورة , لأنه لو كان عورة لبطلت الصلاة حال كشفه , لذلك اختار أن المقصود بالرخصة هما الوجه واليدان , والمقصود ما يظهر منهما عند الحاجة أو ما ظهر بدون قصد.

وهذا صنيع عامة الفقهاء الذين فسروا الزينة بالوجه واليدين كما سيظهر من أقوالهم المبينة لمقصودهم فيما يأتي بإذن الله.

وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم والحمد لله رب العالمين

وكتبه / أبو طارق علي بن عمر النهدي

11/ 07/1430 هجرية

ـ[أبو طارق النهدي]ــــــــ[30 - Nov-2010, مساء 12:33]ـ

علماء المذهب الحنفي:

قال الجصاص في أحكام القرآن (5/ 172): " قوله تعالى {وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلاَّ مَا ظَهَرَ مِنْهَا} إنما أراد به الأجنبيين , دون الزوج وذوي المحارم , لأنه قد بيّن في نسق التلاوة حكم ذوي المحارم في ذلك.

وقال أصحابنا: المراد الوجه والكفان , لأن الكحل زينة الوجه , والخضاب والخاتم زينة الكف , فإذ قد أباح النظر إلى زينة الوجه والكف , فقد اقتضى ذلك لا محالة إباحة النظر إلى الوجه والكفين.

ويدل على أن الوجه والكفين من المرأة ليسا بعورة أيضاً , أنها تصلي مكشوفة الوجه واليدين , فلو كانا عورة لكان عليها سترهما كما عليها ستر ما هو عورة , وإذا كان ذلك جاز للأجنبي أن ينظر من المرأة إلى وجهها ويديها بغير شهوة , فإن كان يشتهيها إذا نظر إليها جاز أن ينظر لعذر , مثل أن يريد تزويجها , أو الشهادة عليها , أو حاكم يريد أن يسمع إقرارها ". انتهى

ويقول الجصاص في أحكام القرآن (5/ 245) عند قوله تعالى {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلَابِيبِهِنَّ}: " في هذه الآية دلالة على أن المرأة الشابة مأمورة بستر وجهها عن الأجنبيين , وإظهار الستر والعفاف عند الخروج , لئلا يطمع أهل الريب فيهن , وفيها دلالة على أن الأمة ليس عليها ستر وجهها وشعرها , لأن قوله تعالى {وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ} ظاهره أنه أراد الحرائر , وكذا روي في التفسير , لئلا يكن مثل الإماء اللاتي هن غير مأمورات بستر الرأس والوجه , فجعل الستر فرقاً يعرف به الحرائر من الإماء ". انتهى

وقال السرخسي في المبسوط كتاب الاستحسان (10/ 119): " أن المرأة من قرنها إلى قدمها عورة هو القياس الظاهر , وإليه أشار رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال "المرأة عورة مستورة" ثم أبيح النظر إلى بعض المواضع منها للحاجة والضرورة ". انتهى

وقال رحمه الله في موضع أخر من كتاب الاستحسان (10/ 125 - 126): " يباح النظر إلى موضع الزينة الظاهرة منهن دون الباطنة لقوله تعالى {وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا} [النور: 31] , وقال علي وابن عباس رضي الله عنهم ما ظهر منها الكحل والخاتم , وقالت عائشة رضي الله عنها إحدى عينيها , وقال ابن مسعود رضي الله عنه خفها وملاءتها.

وأنه لا يباح النظر إلى شيء من بدنها , ولأن حرمة النظر لخوف الفتنة , وعامة محاسنها في وجهها , فخوف الفتنة في النظر إلى وجهها أكثر منه إلى سائر الأعضاء , وبنحو هذا تستدل عائشة رضي الله تعالى عنها , ولكنها تقول هي لا تجد بداً من أن تمشى في الطريق , فلا بد من أن تفتح عينها لتبصر الطريق , فيجوز لها أن تكشف إحدى عينيها لهذه الضرورة , والثابت بالضرورة لا يعدو موضع الضرورة.

ولكنا نأخذ بقول علي وابن عباس رضي الله تعالى عنهما , فقد جاءت الأخبار في الرخصة بالنظر إلى وجهها وكفها ... ثم ذكر الأخبار ... فدل أنه لا بأس بالنظر إلى الوجه والكف , فالوجه موضع الكحل , والكف موضع الخاتم والخضاب وهو معنى قوله تعالى {إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا} [النور: 31] , وخوف الفتنة قد يكون بالنظر إلى ثيابها أيضا قال القائل:

وما غرني إلا خضاب بكفها ... وكحل بعينيها وأثوابها الصفر

¥

طور بواسطة نورين ميديا © 2015