ثم لا شك أنه يباح النظر إلى ثيابها , ولا يعتبر خوف الفتنة في ذلك , فكذلك إلى وجهها وكفها , وروى الحسن بن زياد عن أبي حنيفة: أنه يباح النظر إلى قدمها أيضا , وهكذا ذكر الطحاوي لأنها كما تبتلى بإبداء وجهها في المعاملة مع الرجال , وبإبداء كفها في الأخذ والإعطاء , تبتلى بإبداء قدميها إذا مشت حافية أو متنعلة , وربما لا تجد الخف في كل وقت ". انتهى

قال مقيده عفا الله عنه: تأمل عبارة ((فيجوز لها أن تكشف إحدى عينيها)) ونسبه لاختيار عائشة رضي الله عنها وعلله بالضرورة , ولم يرضى ذلك , ووسع الرخصة باختياره لقول علي وابن عباس رضي الله عنهم كما قال وحاصله أن الذي يجوز كشفه الوجه واليدان , وعلل ذلك السرخسي بقوله ((لأنها تبتلى بإبداء وجهها في المعاملة مع الرجال)) ولم يتوقف عن هذا بل جعل الرخصة شاملة لكل ما تحتاج المرأة لإبداءه ولو كان رحمه الله يبيح السفور لما احتاج لهذا التفصيل فتأمل.

ولذلك تجد السرخسي في سياق الحديث عن تغطية وجه الرجل حال الإحرام يقول: " فتخصيصه حالة الضرورة بالرخصة دليل على أن المحرم منهي عن تغطية الوجه ولأن المرأة لا تغطى وجهها بالإجماع مع أنها عورة مستورة فإن في كشف الوجه منها خوف الفتنة ". انتهى

قال الكاساني في بدائع الصنائع (5/ 121):

فلا يحل النظر للأجنبي من الأجنبية الحرة إلى سائر بدنها إلا الوجه والكفين لقوله تبارك وتعالى {قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ} إلا أن النظر إلى مواضع الزينة الظاهرة وهي الوجه والكفان رخص بقوله تعالى {وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا} والمراد من الزينة مواضعها ومواضع الزينة الظاهرة الوجه والكفان فالكحل زينة الوجه والخاتم زينة الكف ولأنها تحتاج إلى البيع والشراء والأخذ والعطاء ولا يمكنها ذلك عادة إلا بكشف الوجه والكفين فيحل لها الكشف وهذا قول أبي حنيفة رضي الله عنه وروى الحسن عن أبي حنيفة رحمهما الله أنه يحل النظر إلى القدمين أيضا .... ثم ذكر وجه إباحة القدمين وشرع في رده لترجيح مشهور المذهب ... قائلاً: "وجه" ظاهر الرواية ما روي عن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما أنه قال في قوله جل شأنه {إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا} أنه الكحل والخاتم وروي عنه في رواية أخرى أنه قال الكف والوجه فيبقى ما وراء المستثنى على ظاهر النهي ولأن إباحة النظر إلى وجه الأجنبية وكفيها للحاجة إلى كشفها في الأخذ والعطاء ولا حاجة إلى كشف القدمين فلا يباح النظر إليهما. انتهى

قال ابن الهمام في فتح القدير /باب الكراهية/فَصْلٌ فِي الْوَطْءِ وَالنَّظَرِ وَاللَّمْسِ:

قَوْلُهُ (قَالَ عَلِيٌّ وَابْنُ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا: مَا ظَهَرَ مِنْهَا الْكُحْلُ وَالْخَاتَمُ، وَالْمُرَادُ مَوْضِعُهُمَا وَهُوَ الْوَجْهُ وَالْكَفُّ).

أَقُولُ: الظَّاهِرُ أَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْ نَقْلِ قَوْلِ عَلِيٍّ وَابْنِ عَبَّاسٍ هَاهُنَا إنَّمَا هُوَ الِاسْتِدْلَال عَلَى جَوَازِ أَنْ يَنْظُرَ الرَّجُلُ إلَى وَجْهِ الْأَجْنَبِيَّةِ وَكَفَّيْهَا بِقَوْلِهِمَا فِي تَفْسِيرِ قَوْله تَعَالَى {إلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا} فَإِنَّ فِي تَفْسِيرِهِ أَقْوَالًا مِنْ الصَّحَابَةِ لَا يَدُلُّ عَلَى الْمُدَّعَى هَاهُنَا شَيْءٌ مِنْهَا سِوَى قَوْلِهِمَا، لَكِنَّ دَلَالَةَ قَوْلِهِمَا عَلَى ذَلِكَ غَيْرُ وَاضِحٍ أَيْضًا، إذْ الظَّاهِرُ أَنَّ مَوْضِعَ الْكُحْلِ هُوَ الْعَيْنُ لَا الْوَجْهُ كُلُّهُ، وَكَذَا مَوْضِعُ الْخَاتَمِ هُوَ الْأُصْبُعُ لَا الْكَفُّ كُلُّهُ، وَالْمُدَّعَى جَوَازُ النَّظَرِ إلَى وَجْهِ الْأَجْنَبِيَّةِ كُلِّهِ وَإِلَى كَفَّيْهَا بِالْكُلِّيَّةِ، فَالْأَوْلَى فِي الِاسْتِدْلَالِ عَلَى ذَلِكَ هُوَ الْمَصِيرُ إلَى مَا جَاءَ مِنْ الْأَخْبَارِ فِي الرُّخْصَةِ فِي النَّظَرِ إلَى وَجْهِهَا وَكَفَّيْهَا. انتهى

ونص ابن الهمام في كتاب الحج من فتحه القدير على تحريم السفور صراحةً فقال:

وَدَلَّتْ الْمَسْأَلَةُ عَلَى أَنَّ الْمَرْأَةَ مَنْهِيَّةٌ عَنْ إبْدَاءِ وَجْهِهَا لِلْأَجَانِبِ بِلَا ضَرُورَةٍ، وَكَذَا دَلَّ الْحَدِيثُ عَلَيْهِ. انتهى

وقال ملا علي قاري في فتح العناية:

¥

طور بواسطة نورين ميديا © 2015