والدليل على صحة ما تقدم من أن التقنع فيه تغطية للوجه , ما جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم بإسناد حسن في المعجم الكبير للطبراني (393): عن أسامة بن زيد رضي الله عنهما قال: استأذنت لأناس من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم فأذن لهم، فإذا هو مقنع رأسه ببرد له معافري، فكشف القناع عن رأسه، ثم قال: «لعن الله اليهود، اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد» وأصل الحديث في البخاري (425) , ومسلم (531) عن عائشة وابن عباس رضي الله عنهم: أنه في مرض موته , كان يطرح خميصة له على وجهه , فإذا اغتم بها كشفها عن وجهه , فقال وهو كذلك: (لعنة الله على اليهود والنصارى اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد). فكشفت رواية الصحيح حقيقة التقنع في رواية أسامة بن زيد رضي الله عنهما.

قال ابن أبي شيبة في مصنفه (8/ 563): (التّقنّع وما ذكِر فِيهِ) ثم ذكر بإسناده عن لُقْمَانُ قال لاِبْنِهِ وَهُوَ يَعِظُهُ: يَا بُنَيَّ، إيَّاكَ وَالتَّقَنُّعَ فَإِنَّهُ مَخْوَفَةٌ بِاللَّيْلِ مَذَلَّةٌ، أَوْ مَذَمَّةٌ بِالنَّهَارِ.

قال مقيده عفا الله عنه: ومعلوم أن المقصود بالتقنع هنا , تغطية الوجه كالتلثم ونحوه , لأن تغطية الرأس دون الوجه من المروة , وليست بمذمة مطلقاً.

وقال العيني في عمدته في كتاب اللباس: (باب التقنع) أي هذا باب في بيان التقنع بفتح التاء المثناة من فوق والقاف وضم النون المشددة وبالعين المهملة وهو تغطية الرأس وأكثر الوجه برداء أو غيره.

وإليك بيان أن التقنع والتبرقع والتلثم والتنقب ألفاظ لمعاني متقاربة موداها متحد كما عند أهل اللغة:

- جاء في المعجم الوسيط:

(تقنع) تكلف القناعة وتغشى بثوب والمرأة لبست القناع وفي السلاح دخل.

(القناع) ما تغطي به المرأة رأسها وغشاء القلب والشيب وما يستر به الوجه.

(المقنع) المغطى بالسلاح والذي على رأسه بيضة الحديد والمستور وجهه.

(البرقع) قناع النساء.

- وجاء في معجم لغة الفقهاء:

(البرقع): القناع الذي تغطي به المرأة وجهها.

(القناع): بكسر القاف ج أقناع وأقنعة وقنع، ما يستر به الوجه.

(المقنعة): بكسر فسكون ج مقانع، القناع = ما تستر به المرأة رأسها وتغطيه.

- جاء في كتاب العين للخليل بن أحمد:

(لثم): اللَّثْمُ: لَثْمُ فِيْكَ على فِيْ آخَرَ. ومنه اللِّثَامُ: وهو شَدُك الفَمِ بالمِقْنَعَةِ.

- جاء في تاج العروس:

(اللثام): ككتاب ما على الفم من النقاب , وقيل اللثام رد المرأه قناعها على أنفها , ورد الرجل عمامته على أنفه.

وإليك أقوال بعض المفسرين , وفيها عدم ذكر الخلاف المزعوم في تفسير الإدناء المذكور في قوله تعالى {يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ} , وفيها بيان أن صفتي السدل والتقنع المذكورة عن السلف , لا تضاد بينهما , وإنما هي من التنوع في صفة الحجاب:

قال الثعالبي في جواهر الحسان (3/ 237): واختلف فى صورة ادنائه:

فقال ابن عباس وغيره: ذلك ان تلويه المرأة , حتى لا يظهر منها الا عين واحدة تبصر بها.

وقال ابن عباس أيضاً وقتادة: ذلك ان تلويه على الجبين وتشده , ثم تعطفه على الأنف وان ظهرت عيناها , لكنه يستر الصدر ومعظم الوجه. انتهى

وقال ابن العربي في أحكام القرآن عند قوله تعالى {يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِن جَلاَبِيبِهِنَّ}: اخْتَلَفَ النَّاسُ فِي الْجِلْبَابِ عَلَى أَلْفَاظٍ مُتَقَارِبَةٍ، عِمَادُهَا أَنَّهُ الثَّوْبُ الَّذِي يُسْتَرُ بِهِ الْبَدَنُ، لَكِنَّهُمْ نَوَّعُوهُ هَاهُنَا، فَقَدْ قِيلَ: إنَّهُ الرِّدَاءُ.

وَقِيلَ: إنَّهُ الْقِنَاعُ.

الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ: قَوْله تَعَالَى: {يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ} قِيلَ: مَعْنَاهُ تُغَطِّي بِهِ رَأْسَهَا فَوْقَ خِمَارِهَا , وَقِيلَ: تُغَطِّي بِهِ وَجْهَهَا حَتَّى لَا يَظْهَرَ مِنْهَا إلَّا عَيْنُهَا الْيُسْرَى.

¥

طور بواسطة نورين ميديا © 2015