والفقهاء رحمهم الله , إنما يذكرون ما يجب على المرأة والرجل ستره في الصلاة , ويسمون ذلك باب ستر العورة من باب التغليب والتجويز اللغوي, وإلا ليس كل ما يؤمر المكلف بستره في صلاته هو عورة يحرم كشفه ولو كان خليًا, ومن ذلك الأمر بتغطية العاتق للرجل, فعورة الرجل من السرة إلى الركبة باتفاق الفقهاء , والعاتق ليس بعورة ومع ذلك يؤمر بستره وجوبًا أو استحبابًا , وكذلك شعر المرأة ليس بعورة قبل فرض الحجاب وهي مأمورة بستره في الصلاة.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية: فليست العورة في الصلاة مرتبطة بعورة النظر لا طرداً ولا عكساً.انتهى من رسالته في الحجاب انظر (مجموع الفتاوى 22/ 115).
فتعليل من جوّز السفور , بأن وجه المرأة ليس بعورة فلها كشفه في كل وقت , لا يصح لأن العلة في تشريع الحجاب لم تكن ستر العورة , وإنما العلة هي منع الفتنة بها.
ويتضح لك هذا بتتبع آيات الحجاب وسبب نزولها وهي كما يلي:
قال تعالى {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَدْخُلُوا بُيُوتَ النَّبِيِّ إِلَّا أَنْ يُؤْذَنَ لَكُمْ} إلى قوله {وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعًا فَاسْأَلُوهُنَّ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ ذَلِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنَّ .. الآية} [الأحزاب:53].
أخرج الإمام البخاري في الصحيح (4871): حدثنا يحيى بن بكير قال حدثني الليث عن عقيل عن ابن شهاب قال أخبرني أنس بن مالك رضي الله عنه: أنه كان ابن عشر سنين مقدم رسول الله صلى الله عليه و سلم المدينة فكان أمهاتي يواظبنني على خدمة النبي صلى الله عليه و سلم فخدمته عشر سنين وتوفي النبي صلى الله عليه و سلم وأنا ابن عشرين سنة فكنت أعلم الناس بشأن الحجاب حين أنزل وكان أول ما أنزل في مبتنى رسول الله صلى الله عليه و سلم بزينب بنت جحش ... الحديث.
وأخرج أيضاً برقم (4514): حدثنا سليمان بن حرب حدثنا حماد بن زيد عن أيوب عن أبي قلابة قال أنس بن مالك: أنا أعلم الناس بهذه الآية آية الحجاب لما أهديت زينب بنت جحش رضي الله عنها إلى رسول الله صلى الله عليه و سلم كانت معه في البيت صنع طعاما ودعا القوم فقعدوا يتحدثون فجعل النبي صلى الله عليه و سلم يخرج ثم يرجع وهم قعود يتحدثون فأنزل الله تعالى {يا أيها الذين آمنوا لا تدخلوا بيوت النبي إلا أن يؤذن لكم إلى طعام غير ناظرين إناه - إلى قوله - من وراء الحجاب}. فضرب الحجاب وقام القوم.
فهذه أول الآيات تشريعاً لفريضة الحجاب كما هو نص خادم النبي صلى الله عليه وسلم , ولما كانت هذه الآية مجملة في فريضة الحجاب , تتابع التشريع الإلهي في تفصيل هذه الفريضة على نساء المسلمين فنزلت الآية رقم (59) من سورة الأحزاب , والتي جاءت بالصفة الشرعية لحجاب المرأة المسلمة فقال تعالى {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلَابِيبِهِنَّ ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ يُعْرَفْنَ فَلَا يُؤْذَيْنَ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا} وقد كان من أسباب نزولها ما أخرجه البخاري برقم (4517): حدثني زكرياء بن يحيى حدثنا أبو أسامة عن هشام عن أبيه عن عائشة رضي الله عنها قالت: خرجت سودة بعد ما ضُرب الحجاب لحاجتها وكانت امرأة جسيمة لا تخفى على من يعرفها , فرآها عمر بن الخطاب فقال: يا سودة أما والله ما تخفين علينا فانظري كيف تخرجين. قالت فانكفأت راجعة ورسول الله صلى الله عليه و سلم في بيتي وإنه ليتعشى وفي يده عرق فدخلت فقالت يا رسول الله إني خرجت لبعض حاجتي فقال لي عمر كذا وكذا قالت: فأوحى الله إليه ثم رفع عنه وإن العرق في يده ما وضعه فقال: (إنه قد أذن لكن أن تخرجن لحاجتكن).
¥