11

التداخل بين مسألتي الحجاب والعورات وأثره على الخلاف في كشف وجه المرأة

ـ[أبو طارق النهدي]ــــــــ[30 - Nov-2010, مساء 12:32]ـ

التداخل بين مسألتي الحجاب والعورات

وأثره على الخلاف في كشف وجه المرأة

الحمد لله وحده والصلاة والسلام على من لا نبي بعده وعلى آله وصحبه ومن تبعه بإحسان ... أما بعد:

اللهم يا معلم إبراهيم علمني واللهم يا مفهم سليمان فهمني.

اعلم علمني الله وإياك , بأنه يجب على من أراد الوصول للحق في المسائل التي وقع النزاع فيها , تحرير محل النزاع , وذلك بتنقيحه مما يختلط به من غير أصله , وأصل النزاع في موضوعنا هاهنا هو: إباحة السفور , وهو القول بجواز كشف المراة لوجهها دائمًا أمام الأجانب , بدون حاجة أو ضرورة.

يُشكل على البعض تسمية كشف الوجه دائماً بـ (السفور) , وذلك لوقوع الخلط بينه وبين التبرج المجمع على تحريمه , والفرق بين معنى السفور ومعنى التبرج هو أن السفور كشف الوجه بدون زينة , وأما التبرج فكشفه وغيره مع التزين.

قال ابن فارس في مقاييس اللغة:

(سفر) السين والفاء والراء أصلٌ واحدٌ يدلُّ على الانكشاف والجَلاء ... وسَفَرتِ المرأةُ عن وجهها، إذا كشفَتْهُ.انتهى

وجاء في لسان العرب:

وَسَفَرَتِ المرأَة وجهها إِذا كشف النِّقابَ عن وجهها تَسْفِرُ سُفُوراً .... وسَفَرَتِ المرأَةُ نِقابَها تَسْفِرُهُ سُفُوراً فهي سافِرَةٌ جَلَتْه.انتهى

وأما التبرج فهو غير السفور وهو محرم كذلك ولا ينازع في ذلك أحد ومعناه في اللغة غير معنى السفور.

قال ابن فارس في المقاييس:

(برج) الباء والراء والجيم أصلان: أحدهما البُروز والظُّهور .... ومنه التّبرُّج، وهو إظهار المرأةِ مَحاسِنَها.انتهى

جاء في لسان العرب:

التَّبَرُّج: إِظهار المرأَة زينتَها ومحاسنَها للرجال. و تَبَرَّجَتِ المرأَةُ: أَظهرت وَجْهَها. وإِذا أَبدت المرأَة محاسن جيدها ووجهها قيل: تَبَرَّجَتْ.انتهى

وقال أَبو إِسحاق في قوله عز وجل: {غَيْرَ مُتَبَرِّجاتٍ بزينة} التَّبرُّجُ: إِظهار الزينة وما يُسْتَدعَى به شهوة الرجل.

والتَّبَرُّجُ: إِظهار الزينة للناس الأَجانب. انتهى

ونشأة القول بإباحة كشف الوجه دائمًا في ظني , إنما كانت بسبب الخلط بين مسألة العورات وحكم النظر إليها وبين حقيقة العلة الموجبة لتشريع الحجاب , فاختلطت الأقوال لاشتباه بعضها ببعض.

ولمعرفة الحق والصواب في حكم السفور , لابد من معرفة حقيقة فريضة الحجاب , وعلة تشريعه , وأسباب نزول هذا التشريع , والظروف المحيطة بذلك.

قال أبو الفتح القشيري: بيان سبب النزول طريق قوي في فهم معاني الكتاب العزيز وهو أمر تحصّل للصحابة بقرائن تحتف بالقضايا. انتهى من البرهان للزركشي (1/ 22).

فلو علمت وفقك الله أن تشريع الحجاب مر بأطوار مختلفة , تدرج فيها الشارع الحكيم مراعاة لحال المجتمع قبل الإسلام , وما فيه من الاختلاط وعدم الستر , حتى كانت بعض النساء يطوفن بالبيت عاريات , ويخرجن سافرات عن زينتهن في درع وخمار , كاشفات عن رؤوسهن ووجوههن في كل وقت وحال , ثم أن الصلاة فرضت على المسلمين في السنة الثانية للهجرة , وكان من شروطها في حق الجنسين ستر العورة , المستفاد من الأمر بأخذ الزينة في المساجد بدلالة التضمّن , وجاءت السنة بإدخال ستر الرأس في حق المرأة , وستر العاتق في حق الرجل , وإن كانا ليسا من العورات , ولذلك نص الفقهاء أنه على المرأة المسلمة ستر جسمها كله إلا الوجه والكفين وعلى خلاف في القدمين , وكان ذلك قبل فرض الحجاب.

ومن هنا نعلم الفارق بين مسألة العورات ومسألة الحجاب , وأن التلازم بينهما منفك في حال دون حال , فالأمر بالحجاب لا يعني بحال تقرير عورات جديدة لم تكن بعورات من قبل , وإنما هو أمرٌ بستر مواطن الفتنة في المرأة , والتي يحصل بسفورها حصول الشهوة والميل لها.

فالعورة في اللغة: سوءة الإنسان وما يستحيا منه , وأصلها من العار.

وقال الجوهري: العَوْرة كل خَلَل يُتَخَوَّف منه من ثَغْرٍ أَو حَرْب , والعَوْرة كل مَكْمَنٍ للسَّتْر , وعَوْرةُ الرجل والمرأَة سوْأَتُهما.

وربنا جل وعز قد وصف ما وجب ستره بالحجاب بالزينة فقال تعالى {ولا يبدين زينتهن} فكيف تكون الزينة عورة يستحيا منها بل وفي منزلة السوأتين؟!

¥

طور بواسطة نورين ميديا © 2015