ـ[أبو الفداء]ــــــــ[27 - Nov-2010, صباحاً 02:00]ـ
الحمد لله الذي أنعم على بني آدم بنعمة العقل والنظر .. وسوى نفوسهم فألهمها فجورها وتقواها فلا يعسر على عقل عاقل تمييز حجة الحق فيما يأتي من الخطاب وما يذر، ثم بعث المرسلين بحجة الحق الناصعة التي لا يتطرق إلى كل عاقل يسمعها سبيل شك ولا ارتياب فيما يعقل البشر ..
وصلى الله وسلم على خاتم المرسلين، حجة الحق الظاهر على العالمين، الذي بُعث بالمحجة البيضاء، ليلها كنهارها لا يزيغ عنها إلا من كان من الهالكين.
أما بعد فإنه قد تكاثرت في ساحات المنتديات والمدونات في هذا الزمان كما لا يخفى كتابات لبعض شباب المسلمين ممن حسنت نيتهم وقلّ علمهم في باب الرد على شبهات المستشرقين والملاحدة وأعداء الدين. وفي الحقيقة فإن الناظر المحقق في تلك الردود على كثرتها وإسهابها وانتشارها في أنحاء الشبكة العنكبوتية، لا يفوته ملاحظة أن الكثرة الكاثرة منها إنما عمد أصحابها إلى النزول إلى ذات المرتبة من الأدلة التي يستعملها هؤلاء المجرمون في التشغيب على الحق وأهله، ظنا منهم بأن هذا من قبيل التنزل مع المخالف الذي هو طريقة من طرائق الجدل والمناظرة، وبأنه يفضي إلى إبطال الشبهة بما يحسم المسألة وينهي فيها الكلام! وهذا مما يؤسف له في الحقيقة، وهو من تأثر القوم بطرائق كُتاب اللاهوت الدفاعي عند النصارى، لا سيما طرائق النصارى في الرد على شبهات الملاحدة كما سيأتي التمثيل عليها. ولهذا فإنه كان ولا يزال هذا النثار الكثيف من الكتابات في ذلك الباب يأتي بثمار لا تحمد في أكثر الأحايين، من حيث إيهامه – ولو بالإيحاء المجرد - ضعاف العقل والعلم والدين بأن تلك التخرصات والتفاهات التي يثيرها هؤلاء المجرمون على الحق لها حظ من النظر، وبأنها ترقى – بالجملة - إلى منزلة (الإشكال) العلمي الحقيق بالدراسة والبحث، وإلا فلماذا سُودت فيها كل تلك الصفحات من المناقشة والجدل والمجاذبة، تخوض فيها الأقلام من كل حدب وصوب؟ وأقول إن هذا الإيحاء في مجرده إنما هو مغنم عظيم لأصحاب تلك الشبهات عند التأمل! وإلا فهل كان أحد من أهل الإلحاد – على سبيل المثال – يحلم في أي قرن من قرون هذه الأمة قبل زماننا هذا، بأن يصبح في البلاد كاتبا مفوها يقعده الناس في مقعد المناظرة والمناقشة، يرفعونه إلى منزلة المفكر الكذا والكذا، ويتكلف المسلمون عناء الرد عليه؟؟ وهل كانوا يحلمون بأن تفرد صفحات ومؤلفات كاملة للرد على هرائهم المحض وعلى جحودهم البين على نحو ما يرون في هذا الزمان؟؟ وهل كانوا يحلمون قبل هذا الزمان بأن يضطر أقوام من العلماء وطلبة العلم المسلمين – وما أدراك ما العلماء وما طلبة العلم! - إلى الانتصاب للرد على قوم يقول قائلهم: أنا سليل القردة، لم يخلقني خالق ولا أصير بعد موتي إلا عدما؟؟ كلا والله، ولكنه هو ذاك الزمان الفتان الذي أنبأ به سيد المرسلين من قبل، فاللهم سلم سلم!
فلما كان ذلك كذلك، رأيتُ ضرورة تأليف مبحث موجز في بيان أصل الخلل العقلي والنفسي الذي يحمل هؤلاء المجرمين المكابرين على رد حجة الحق من بعد ما قامت عليهم على نحو ما نرى، وعلى التمسك بملل داحضة في موازين العقل وهم يعلمون، ومن ثمّ توجيه شباب المسلمين إلى أقوم السبل وأقصرها وأقربها إلى سبل الأنبياء والمرسلين في دحض ذلك الهراء كله جملة واحدة، وفي إرجاع الأمور إلى نصابها الصحيح، لا سيما لدى المشتغلين بفلسفات العلوم المعاصرة والمهتمين بالنظر في العلوم الطبيعية منها بصفة خاصة. ولسوف يرى القارئ المسلم – بإذن الله تعالى – في أثناء تلك الرسالة أنه لم تحظ أمة من أمم البشرية بما حظيت به أمة الإسلام من أصول عقلية وعلمية تامة الإحكام، للنظر العلمي في نصوص دينها، ولسوف يرى القارئ من أي ملة كان كم هي حاجة فلاسفة العلوم في هذا الزمان – وفي كل زمان – إلى تأسيس بنيانهم على أصول الفقه عند المسلمين والانضباط بها، وأنه لو صدق نفسه وأخلص في طلب الحق لما وسعه أن يماري في شيء مما نقرره عبر تلك الورقات اليسيرات، والله الهادي إلى سواء السبيل.
¥