هذه الآية الكريمة من أصعب الآيات تحقيقا؛ لأن حمل النكاح فيها على التزويج، لا يلائم ذكر المشركة والمشرك، وحمل النكاح فيها على الوطء لا يلائم الأحاديث الواردة المتعلقة بالآية، فإنها تعين أن المراد بالنكاح في الآية: التزويج، ولا أعلم مخرجا واضحا من الإشكال في هذه الآية إلا مع بعض تعسف، وهو أن أصح الأقوال عند الأصوليين كما حرره أبو العباس بن تيمية في رسالته في علوم القرآن، وعزاه لأجلاء علماء المذاهب الأربعة هو جواز حمل المشترك على معنييه، أو معانيه، فيجوز أن تقول: عدا اللصوص البارحة على عين زيد، وتعني بذلك أنهم عوروا عينه الباصرة وغوروا عينه الجارية، وسرقوا عينه التي هي ذهبه أو فضته.
وإذا علمت ذلك، فاعلم أن النكاح مشترك بين الوطء والتزويج، خلافا لمن زعم أنه حقيقة في أحدهما، مجاز في الآخر كما أشرنا له سابقا، وإذا جاز حمل المشترك على معنييه، فيحمل النكاح في الآية على الوطء، وعلى التزويج معا، ويكون ذكر المشركة والمشرك على تفسير النكاح بالوطء دون العقد، وهذا هو نوع التعسف الذي أشرنا له، والعلم عند الله تعالى. اهـ أضواء البيان (6/ 91).
و قد ذهب ابن القيم إلى فساد حمل المشترك على معانيه جميعا، قال: (زاد المعاد):
[فساد حمل المشترك على معنييه]
... وما يدعى فيه الاشتراك فهو عنده من قبيل المتواطئ، وأما الشافعي فمنصبه في العلم أجل من أن يقول مثل هذا وإنما استنبط هذا من قوله إذا أوصى لمواليه تناول المولى من فوق ومن أسفل وهذا قد يكون قاله لاعتقاده أن المولى من الأسماء المتواطئة، وأن موضعه القدر المشترك بينهما فإنه من الأسماء المتضايفة كقوله: "من كنت مولاه فعلي مولاه" ولا يلزم من هذا أن يحكى عنه قاعدة عامة في الأسماء التي ليس من معانيها قدر مشترك أن تحمل عند الإطلاق على جميع معانيها ثم الذي يدل على فساد هذا القول وجوه:
أحدها: أن استعمال اللفظ في معنييه إنما هو مجاز إذ وضعه لكل واحد منهما على سبيل الانفراد هو الحقيقة واللفظ المطلق لا يجوز حمله على المجاز بل يجب حمله على حقيقته.
الثاني: أنه لو قدر أنه موضوع لهما منفردين ولكل واحد منهما مجتمعين فإنه يكون له حينئذ ثلاثة مفاهيم فالحمل على أحد مفاهيمه دون غيره بغير موجب ممتنع.
الثالث: أنه حينئذ يستحيل حمله على جميع معانيه إذ حمله على هذا وحده وعليهما معا مستلزم للجمع بين النقيضين فيستحيل حمله على جميع معانيه وحمله عليهما معا حمل له على بعض مفهوماته فحمله على جميعها يبطل حمله على جميعها.
الرابع: أن هاهنا أمورا. أحدها: هذه الحقيقة وحدها والثاني: الحقيقة الأخرى وحدها والثالث: مجموعهما والرابع: مجاز هذه وحدها والخامس: مجاز الأخرى وحدها والسادس: مجازهما معا والسابع: الحقيقة وحدها مع مجازها والثامن: الحقيقة مع مجاز الأخرى والتاسع: الحقيقة الواحدة مع مجازهما والعاشر: الحقيقة الأخرى مع مجازها والحادي عشر: مع مجاز الأخرى والثاني عشر: مع مجازهما فهذه اثنا عشر محملا بعضها على سبيل الحقيقة وبعضها على سبيل المجاز فتعيين معنى واحد مجازي دون سائر المجازات والحقائق ترجيح من غير مرجح وهو ممتنع.
الخامس: أنه لو وجب حمله على المعنيين جميعا لصار من صيغ العموم لأن حكم الاسم العام وجوب حمله على جميع مفرداته عند التجرد من التخصيص، ولو كان كذلك لجاز استثناء أحد المعنيين منه ولسبق إلى الذهن منه عند الإطلاق العموم وكان المستعمل له في أحد معنييه بمنزلة المستعمل للاسم العام في بعض معانيه فيكون متجوزا في خطابه غير متكلم بالحقيقة وأن يكون من استعمله في معنييه غير محتاج إلى دليل وإنما يحتاج إليه من نفى المعنى الآخر ولوجب أن يفهم منه الشمول قبل البحث عن التخصيص عند من يقول بذلك في صيغ العموم ولا ينفي الإجمال عنه إذ يصير بمنزلة سائر الألفاظ العامة وهذا باطل قطعا، وأحكام الأسماء المشتركة لا تفارق أحكام الأسماء العامة وهذا مما يعلم بالاضطرار من اللغة ... اهـ (منقول)
و أي كان المذهب المختار فالذي عليه الأصوليين هو الخلاف بين حمل المشترك على أكثر من معنى أو حمله على معنى واحد لكن لا يقال بالتخيير في ذات اللفظ المشترك كما أن الأصل هو عدم الاشتراك، قال متولي البراجيلي:
الأصل عدم الاشتراك
¥