والمراد به أن الاشتراك خلاف الأصل، فاللفظ إذا دار بين الاشتراك وعدمه كان الأغلب على الظن عدمه، ولا يُلجأ إلى حمل الكلام عليه إلا بقرينة، فيحكم بأنه منفرد، وذلك بالاستقراء، فإن معظم الألفاظ مفردة، وإلا لما حصل التفاهم في الخطاب دون الاستفسار؛ لأن الاشتراك يُخل بالفهم في حق السامع؛ لتردد الذهن بين مفهومات اللفظ أو التركيب، وقد يتعذر عليه الاستكشاف، إما لهيبة المتكلم أو للاستنكاف من السؤال، فيحمله على غير المراد؛ فيقع في الجهل، وربما ذكره لغيره فيصير بذلك سببًا لجهل جمع كثير، ومن هذا قيل إن السبب الأعظم في وقوع الأغلاط حصول اللفظ المشترك
سادسًا هل يمكن حمل المشترك على جميع معانيه؟
نعم يمكن إذا أمكن ذلك يقول الشنقيطي «مع أن التحقيق جواز حمل المشترك على معنييه، كما حققه الشيخ تقي الدين أبو العباس ابن تيمية رحمه الله في رسالته في علوم القرآن، وحرَّر أنه هو الصحيح في مذهب الأئمة الأربعة رحمهم الله» أضواء البيان
ولكن هذا بشرط ألا يوجد مانع يمنع الجمع بين معاني المشترك، كما هو الحال في استعمال لفظ القرء في الطهر والحيض، فلا يصح إرادة جميع المعاني؛ لأنه يفضي إلى الجمع بين النقيضين على عكس فَأَصْبَحَتْ كَالصَّرِيمِ، فيجوز حملها على معنييها؛ لأن كلاً منهما يؤدي إلى المعنى المراد بأن الجنة صارت بلا زرع، سواءً كانت كالليل المظلم، أو بيضاء لا شيء فيها اهـ http://www.altawhed.com/عز وجلetail.asp?InNewsItemIعز وجل=366549
فإذا علمنا ذلك فهمنا أن قول الألباني رحمه الله "وبالجملة فليس في الدليل ما يحصر معنى قوله عز وجل: {فَإِذَا تَطَهَّرْنَ} بالغسل فقط، فالآية مطلقة تشمل المعاني الثلاثة السابقة فبأيها أخذت الطاهر حلّت لزوجها" ضعيف جدا لأنه حمل المشترك على عدة معاني على التخيير و هذا ظاهر الفساد فلم يبقى في هذا اللفظ إلا حمله على جميع المعاني معا أو أحد المعاني دون الأخرى.
إذا حملنا لفظ التطهر على جميع المعاني نقول بالغسل و الوضوء و إزالة النجاسة معا و بما أن الغسل يغني عن الوضوء و كان فيه إزالة النجاسة نكون قد قلنا بالغسل الشرعي.
أما إذا قلنا بعدم جواز حمل المشترك على أكثر من معنى نقول:
قوله تعالى "تطهرن" ينحصر في أحد المعاني التالية: الغسل، الوضوء، الحيض لكن حمله على الوضوء في غاية الضعف لعدة قرائن منها أن الوضوء لا يكفي لإزالة دم الحيض فوجب غسل النجاسة معه و هنا نعود إلى استعمال المشترك في عدة معانيه فكان واجبا حمله كذلك على الغسل لأن الوضوء ليس بأولى من الغسل بل الغسل أقرب في هذا الموضوع لأن سياق الآية تعلق بالحيض و ما يتعلق بالحيض هو إما الغسل للجنابة أو إزالة النجاسة فتبين خروج الوضوء من ذلك.
إذن الراجح أن اللفظ يدور حول الغسل أو إزالة النجاسة فإذا علمنا ذلك نقول أن الأرجح أنه للغسل لعدة أمور:
أولها وجود التشديد في التطهر مما يدل على وجود النية و إزالة النجاسة لا نية فيها.
الثاني أن الغسل يشمل إزالة النجاسة فكان الأحوط.
الثالث أنه أحكام الوطء تدور حول الغسل و هنا الموضع متعلق بالوطء فالأقرب حمله على الأحكام الغالبة و هي الغسل.
الرابع أن سياق الآية بقوله تعالى المتطهرين يفيد أنها طهارة شرعية فكان الأقرب حمل اللفظ على الغسل لا إزالة النجاسة.
الخامس أن اللفظ "تطهرن" مطلق و حمله على غسل دم الحيض فقط تخصيص لهذا العموم بدون نص.
السادس أن حمل لفظ تطهرن على غسل الدم لا يستقيم إلا بإضمار من دم الحيض فيكون المعنى تطهرن من دم الحيض لكن حمل اللفظ على الغسل لا إضمار فيه فيكون بمعنى اغتسلن.
السابع أن المقام مقام طهارة من الحيض فدل ذلك على وجود الجنابة لذلك ناسب الكلام أن يكون حول غسل الجنابة
الثامن أن لفظ التطهر إذا جاء مطلقا حمل على الغسل الشرعي بقرينة الحقيقة الشرعية أما إذا قرن بمزيل للنجاسة فهمنا دورانه على النجاسة و هذا يبطل قول من قال أن لفظ التطهر جاء في إزالة النجاسة، نجيب على ذلك أنه في تلك الأحاديث لم يأتي منفردا عاما إنما قرن بمزيل للنجاسة كقوله عليه الصلاة و السلام خذي فرصة من مسك فتطهري بها. أما قوله عليه الصلاة و السلام حول تطهير المساجد فلا يصح الاستدلال به هنا لأن المسجد جماد و لا توجد طهارة شرعية للجماد إنما يحمل ذلك على إزالة النجاسة و المتتبع للنصوص يدرك أن لفظ التطهر إذا جاء عاما بدون قيود كان حول الغسل أو الوضوء الشرعي و أنه إذا جاء لإزالة النجاسة قرن بمزيل للنجاسة إن كان على العباد أو جاء في الجمادات و هذه ليس عليها طهارة غسل أو وضوء.
و المقصود من كل هذا الكلام أن قول بعضهم أنه لا يوجد دليل بتخصيص ذلك بالغسل ضعيف جدا فضلا عن قول بعضهم أنه لا يوجد دليل أصلا.
و قد بينت بما يكفي أن القول بأن المقصود هو الغسل الشرعي أكثر قوة من القول بأنه مجرد غسل النجاسة و حتى على القول بتساوي قوة المعنيين (و لا يمكن القول بأن إزالة النجاسة أقوى من الغسل الشرعي لأنه لا يوجد دليل و لا قرينة على ذلك) كان الأخذ بأنه الغسل الشرعي هو الواجب هنا احتياطا و الله أعلم