ذِكْره يَكْرَههَا مِنْ عِبَاده. فَلَمَّا اسْتَفْتَى أَصْحَاب رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ ذَلِكَ أَوْحَى اللَّه تَعَالَى إلَيْهِ فِي ذَلِكَ , فَبَيَّنَ لَهُمْ مَا يَكْرَههُ مِمَّا يَرْضَاهُ وَيُحِبّهُ , وَأَخْبَرَهُمْ أَنَّهُ يُحِبّ مِنْ خَلْقه مَنْ أَنَابَ إلَى رِضَاهُ وَمَحَبَّته , تَائِبًا مِمَّا يَكْرَههُ. وَكَانَ مِمَّا بَيَّنَ لَهُمْ مِنْ ذَلِكَ أَنَّهُ قَدْ حَرَّمَ عَلَيْهِمْ إتْيَان نِسَائِهِمْ وَإِنْ طَهُرْنَ مِنْ حَيْضهنَّ حَتَّى يَغْتَسِلْنَ , ثُمَّ قَالَ: {وَلَا تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّى يَطْهُرْنَ فَإِذَا تَطَهَّرْنَ فَأْتُوهُنَّ} فَإِنَّ اللَّه يُحِبّ الْمُتَطَهِّرِينَ , يَعْنِي بِذَلِكَ الْمُتَطَهِّرِينَ مِنْ الْجَنَابَة وَالْأَحْدَاث لِلصَّلَاةِ , وَالْمُتَطَهِّرَات بِالْمَاءِ مِنْ الْحَيْض وَالنِّفَاس وَالْجَنَابَة وَالْأَحْدَاث مِنْ النِّسَاء. وَإِنَّمَا قَالَ: وَيُحِبّ الْمُتَطَهِّرِينَ , وَلَمْ يَقُلْ الْمُتَطَهِّرَات , وَإِنَّمَا جَرَى قَبْل ذَلِكَ ذِكْر التَّطَهُّر لِلنِّسَاءِ ; لِأَنَّ ذَلِكَ بِذِكْرِ الْمُتَطَهِّرِينَ يَجْمَع الرِّجَال وَالنِّسَاء , وَلَوْ ذَكَرَ ذَلِكَ بِذِكْرِ الْمُتَطَهِّرَات لَمْ يَكُنْ لِلرِّجَالِ فِي ذَلِكَ حَظّ , وَكَانَ لِلنِّسَاءِ خَاصَّة , فَذَكَرَ اللَّه تَعَالَى ذِكْره بِالذِّكْرِ الْعَامّ جَمِيع عِبَاده الْمُكَلَّفِينَ , إذْ كَانَ قَدْ تَعَبَّدَ جَمِيعهمْ بِالتَّطَهُّرِ بِالْمَاءِ , وَإِنْ اخْتَلَفَتْ الْأَسْبَاب الَّتِي تُوجِب التَّطَهُّر عَلَيْهِمْ بِالْمَاءِ فِي بَعْض الْمَعَانِي وَاتَّفَقَتْ فِي بَعْض. اهـ

خامسها: أن الإجماع قائم على أن وطء الحائض حرام فلو انقطع الدم أحيانا فلا يجوز للزوج مجامعة زوجته و لو غسلت أثر الدم و لا فرق بين الحائض بعد انقطاع الدم و قبل الغسل و الحائض أثناء الحيض و انقطع الدم لمدة قصيرة فثبت أن الفرق هو الغسل الشرعي الذي به تطهر المرأة.

قال ابن قدامة في المغني: وجملته أن وطء الحائض قبل الغسل حرام، وإن انقطع دمها في قول أكثر أهل العلم، قال ابن المنذر: هذا كالإجماع منهم.

وقال أحمد بن محمد المروذي: لا أعلم في هذا خلافا، إلى أن قال: ولنا قول الله تعالى: وَلَا تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّى يَطْهُرْنَ فَإِذَا تَطَهَّرْنَ فَأْتُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ اللَّهُ {البقرة: 222}.

يعني إذا اغتسلن، هكذا فسره ابن عباس، ولأن الله تعالى قال في الآية: وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ. فأثنى عليهم، فيدل على أنه فعل منهم أثنى عليهم به، وفعلهم هو الاغتسال دون انقطاع الدم، فشرط لإباحة الوطء شرطين: انقطاع الدم، والاغتسال، فلا يباح إلا بهما. اهـ

سادسا: أنه إذا تردد اللفظ بين التطهر اللغوي و التطهر الشرعي فالاحتياط أولى و الاحتياط يقتضي الغسل.

سئل شيخ الإسلام عن ذلك فأجاب: أما مذهب الفقهاء كمالك والشافعي وأحمد فإنه لا يجوزوطؤها حتي تغتسل. كما قال تعالى: {وَلاَ تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّىَ يَطْهُرْنَ فَإِذَا تَطَهَّرْنَ فَأْتُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ اللّهُ} [البقرة: 222]، وأما أبو حنيفة فيجِّوز وطأها إذا انقطع لأكثر الحيض، أو مر عليها وقت الصلاة فاغتسلت، وقول الجمهور هو الذي يدل عليه ظاهر القرآن والآثار. اهـ آخر المجلد الحادي والعشرين

و قد عنون النسائي في بابه: باب الحائض لا توضأ حتى تطهر وتغتسل ثم كتب تحته: قال الله جل ثناؤه: (ولا تقربوهن حتى يطهرن فإذا تطهرن فأتوهن من حيث أمركم الله). وقال الشافعي: فقيل والله أعلم يطهرن من المحيض فإذا تطهرن بالماء. اهـ

و الخلاصة أن الدليل موجود و هي الحقيقة الشرعية من قوله تعالى "فَإِذَا تَطَهَّرْنَ" فلفظ التطهر محمول على الغسل الشرعي و الله أعلم.

ـ[عبد الحق آل أحمد]ــــــــ[07 - Nov-2010, مساء 08:07]ـ

/// أخي الفاضل؛ ولماذا لم تحملها على الوضوء الشرعي فهو أيضا حقيقة شرعية لمدلول اسم (التطهر)؟! وكذلك ازالة النجاسة عن الموضع من معاني الحقيقة الشرعية لاسم (التطهر)! والدليل ما سيأتي ذكره:

قال الإمام ابن جرير الطبري-رحمه الله-: " اختلف في التطهر الذي عناه الله تعالى ذكه فأحل له جماعها، فقال بعضهم: هو الاغتسال بالماء، ولا يحل لزوجها أن يقربها حتى تغسل جميع بدنها.

وقال بعضهم: هو الوضوء للصلاة.

وقال آخرون: بل هو غسل الفرج؛ فإذا غسلت فرجها فذلك تطهرها الذي يحل به لزوجها غشيانها".اهـ

قال الشيخ محمد بازمول: "ليس هناك ما يعين أن معنى التطهر في قوله تعالى: {فَإِذَا تَطَهَّرْنَ}، هو الاغتسال، فقد استعمل لفظ ((التطهر)) في السنة النبوية بمعنى: إزالة النجاسة عن الموضع بالماء أو بالتراب. منها: عن عائشة -رضي الله عنها-: أن امرأة سألت النبي صلى الله عليه وسلم عن غسلها من المحيض؟ فأمرها كيف تغتسل قال: خذي فرصة من مسك فتطهري بها! قالت: كيف أتطهر؟ قال: تطهري بها! قالت: كيف؟ قال: سبحان الله تطهري! فاجتذبتها إليَّ فقلت: تتبعي بها أثر الدَّم. [البخاري (314)، مسلم (332)].

ففي هذا الحديث أطلق على غسل المحل بالماء تطهر، ومحل الشاهد قوله صلى الله عليه وسلم: ((فتطهري بها))!.

ومنها: عن عائشة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((أمر بالمساجد أن تبنى في الدور وان تطهر وتطيب)).وفي هذا الحديث استعمل لفظة ((التطهر)) بمعنى إزالة النجاسة على اي وجه.

والمقصود أنه ليس في النصوص الشرعية ما يوجب حمل لفظة ((التطهر)) على الغسل فقط.

قال الشيخ الألباني رحمه الله: ((وبالجملة فليس في الدليل ما يحصر معنى قوله عز وجل: {فَإِذَا تَطَهَّرْنَ} بالغسل فقط، فالآية مطلقة تشمل المعاني الثلاثة السابقة فبأيها أخذت الطاهر حلّت لزوجها، ولا أعلم في السنة ما يتعلق بهذه المسالة سلبا أو إيجابا غير حديث ابن عباس مرفوعا: ((إذا اتى أحدكم امراته في الدم فليتصدق بدينار، وغذا وطئها وقد رات الطهر ولم تغتسل فليتصدق بنصف دينار)) ولكنه حديث ضعيف ... )). [آداب الزفاف في السنة المطهرة ص129] ".اهـ كلام الشيخ بازمول نفع الله به.

والله أعلم.

¥

طور بواسطة نورين ميديا © 2015