أَوْضَح الدَّلَالَة عَلَى صِحَّة مَا قُلْنَا مِنْ أَنَّ غِشْيَانهَا حَرَام إلَّا بَعْد الِاغْتِسَال، وَأَنَّ مَعْنَى قَوْله: {فَإِذَا تَطَهَّرْنَ} فَإِذَا اغْتَسَلْنَ فَصِرْنَ طَوَاهِر الطُّهْر الَّذِي يَجْزِيهِنَّ بِهِ الصَّلَاة. اهـ

استعمل الطبري طريقة السبر و التقسيم فقوله تعالى "فَإِذَا تَطَهَّرْنَ" لا يخلو من أمرين إما أنه محمول على التطهر اللغوي أو محمول على التطهر الشرعي و حمله على التطهر الشرعي أولى من ستة أوجه:

أولها أن الحقيقة الشرعية مقدمة على الحقيقة اللغوية فيحمل التطهر على غسل الصلاة.

ثانيها أن العمل بالمعنيين أولى من العمل بمعنى واحد فلو حملناه على التطهر اللغوي فقط لم نعمل بالتطهر الشرعي و لو حملناه على التطهر الشرعي عملنا بالتطهر اللغوي أيضا.

ثالثها أن تشديد الطاء يعني النية في التطهر لأنه تعالى لم يقل فإذا طَهُرْنَ و لو كان المراد بذلك إزالة الدم لما أحتاج ذلك إلى نيه لأن إزالة النجاسة لا تحتاج إلى النية فثبت بذلك أن المقصود التطهر الشرعي و هو الغسل.

رابعها أن سياق الآية يفيد التطهر الشرعي لأن الله تعالى ختم الآية بقوله "إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ " فتحمل على المتطهرين للصلاة و على هذا يكون لفظ التطهر المقصود هو للصلاة لا مجرد إزالة النجاسة.

قال الطبري:

الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى: {إنَّ اللَّه يُحِبّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبّ الْمُتَطَهِّرِينَ} يَعْنِي تَعَالَى ذِكْره بِقَوْلِهِ: {إنَّ اللَّه يُحِبّ التَّوَّابِينَ} الْمُنِيبِينَ مِنْ الْإِدْبَار عَنْ اللَّه وَعَنْ طَاعَته إلَيْهِ وَإِلَى طَاعَته وَقَدْ بَيَّنَّا مَعْنَى التَّوْبَة قَبْل. وَاخْتُلِفَ فِي مَعْنَى قَوْله: {وَيُحِبّ الْمُتَطَهِّرِينَ} فَقَالَ بَعْضهمْ: هُمْ الْمُتَطَهِّرُونَ بِالْمَاءِ. ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ: 3443 - حَدَّثَنَا ابْن حُمَيْد , قَالَ: ثنا يَحْيَى بْن وَاضِح , قَالَ: ثنا طَلْحَة , عَنْ عَطَاء قَوْله: {إنَّ اللَّه يُحِبّ التَّوَّابِينَ} قَالَ: التَّوَّابِينَ مِنْ الذُّنُوب , {وَيُحِبّ الْمُتَطَهِّرِينَ} قَالَ: الْمُتَطَهِّرِينَ بِالْمَاءِ لِلصَّلَاةِ. * - حَدَّثَنِي أَحْمَد بْن حَازِم , قَالَ: ثنا أَبُو نُعَيْم , قَالَ: ثنا طَلْحَة , عَنْ عَطَاء , مِثْله. * - حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْب , قَالَ: حَدَّثَنَا وَكِيع , عَنْ طَلْحَة بْن عَمْرو , عَنْ عَطَاء: {إنَّ اللَّه يُحِبّ التَّوَّابِينَ} مِنْ الذُّنُوب لَمْ يُصِيبُوهَا {وَيُحِبّ الْمُتَطَهِّرِينَ} بِالْمَاءِ لِلصَّلَاةِ. وَقَالَ آخَرُونَ: مَعْنَى ذَلِكَ أَنَّ اللَّه يُحِبّ التَّوَّابِينَ مِنْ الذُّنُوب , وَيُحِبّ الْمُتَطَهِّرِينَ مِنْ أَدْبَار النِّسَاء أَنْ يَأْتُوهَا. ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ: 3444 - حَدَّثَنَا أَحْمَد بْن حَازِم , قَالَ: ثنا أَبُو نُعَيْم , قَالَ: ثنا إبْرَاهِيم بْن نَافِع , قَالَ: سَمِعْت سُلَيْمَان مَوْلَى أُمّ عَلِيّ , قَالَ: سَمِعْت مُجَاهَدًا يَقُول: مَنْ أَتَى امْرَأَته فِي دُبُرهَا فَلَيْسَ مِنْ الْمُتَطَهِّرِينَ. وَقَالَ آخَرُونَ: مَعْنَى ذَلِكَ: " وَيُحِبّ الْمُتَطَهِّرِينَ " مِنْ الذُّنُوب أَنْ يَعُودُوا فِيهَا بَعْد التَّوْبَة بِهَا. ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ: 3445 - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ: ثنا الْحُسَيْن , قَالَ: ثني حَجَّاج , عَنْ ابْن جُرَيْجٍ , عَنْ مُجَاهِد: {يُحِبّ التَّوَّابِينَ} مِنْ الذُّنُوب لَمْ يُصِيبُوهَا , {وَيُحِبّ الْمُتَطَهِّرِينَ} مِنْ الذُّنُوب: لَا يَعُودُونَ فِيهَا. وَأَوْلَى الْأَقْوَال فِي ذَلِكَ بِالصَّوَابِ قَوْل مَنْ قَالَ: إنَّ اللَّه يُحِبّ التَّوَّابِينَ مِنْ الذُّنُوب , وَيُحِبّ الْمُتَطَهِّرِينَ بِالْمَاءِ لِلصَّلَاةِ ; لِأَنَّ ذَلِكَ هُوَ الْأَغْلَب مِنْ ظَاهِر مَعَانِيه. وَذَلِكَ أَنَّ اللَّه تَعَالَى ذِكْره ذَكَرَ أَمْر الْمَحِيض , فَنَهَاهُمْ عَنْ أُمُور كَانُوا يَفْعَلُونَهَا فِي جَاهِلِيَّتهمْ , مِنْ تَرْكهمْ مُسَاكَنَة الْحَائِض وَمُؤَاكَلَتهَا وَمُشَارَبَتهَا , وَأَشْيَاء غَيْر ذَلِكَ مِمَّا كَانَ تَعَالَى

¥

طور بواسطة نورين ميديا © 2015