ـ[أبو القاسم]ــــــــ[30 - Oct-2010, صباحاً 01:40]ـ
كثيرٌ من الفقهاء طرق شأن أسباب الخلاف بين الأئمة ومن هؤلاء الفقهاء الذين تكلموا مَن هو منظومٌ في سلك هؤلاء الأئمة تبحراً في سعة العلم كشيخ الإسلام ابن تيمية ,ورسالته الشهيرة رفع الملام وكتب غيره .. قديمًا وحديثاً
لقد كتبوا في أسباب تتعلق بالورود وفرعوا عليه أموراً يجمعها أنه لم يُحتج بالحديث لضعفه أو عدم بلوغه .. إلخ
وكتبوا في أسباب متعلقها الدلالة وفصلوا في جزئيات تأتلف في "اختلاف الفهم"
ولكنهم لم يحدقوا كثيراً على عوامل خارجية ومنها الجانب النفسي وأثره في اقتضاء الخلاف إلا في مواضع نادرة ليست من مظان مناقشة أسباب الخلاف
فإلى جانب الروح التي هي سر الله في خلقه أودع الله الإنسان نفساً مرهفة تؤثر فيها الأغيار , ومن كمال عدله سبحانه أنه لم يترك أهداب هذه النفس عُرضة لرياح الجبر ولم يجعلها مرهونة بالقهر من أي طرف تذهب بها كل مذهب ,بل أودع فيها أيضاً قوة كامنة تمِيز بها بين الحق والباطل بأقل اجتهاد ممكن, فمن أنصت لوازع هذه القوة ولبى نداءها برجع صدى الاتباع كان موعودا بالفلاح"قد أفلح من زكاها" ومن آثر متابعة نوازع نفسه الهابطة به دوماً نحو السفول فقد أوبقها "وقد خاب من دساها"
وقد راعى الشارع الحكيم المسألة النفسية وأولاها عناية ,فإذا رحنا نتتبع النصوص في ذلك طال المقام فسأكتفي بالإيماء إلى بعضها, من ذلك مثلا
أخرجه الشيخان من طريق عبد الملك بن عمير قال: سمعت عبد الرحمن بن أبي بكرة ,قال: كتب أبو بكرة إلى ابنه وكان بسجستان بأن لا تقضي بين اثنين وأنت غضبان فإني سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول لا يقضين حكم بين اثنين وهو غضبان في رواية مسلم" وهو قاض بسجستان
قال العلامةابن دقيق العيد: فيه النهي عن الحكم حالة الغضب لما يحصل بسببه من التغير الذي يختل به النظر فلا يحصل استيفاء الحكم على الوجه قال: وعداه الفقهاء بهذا المعنى إلى كل ما يحصل به تغير الفكر كالجوع والعطش المفرطين وغلبةالنعاس وسائر ما يتعلق به القلب تعلقا يشغله عن استيفاء النظر، وهو قياس مظنة علىمظنة، وكأن الحكمة في الاقتصار على ذكر الغضب لاستيلائه على النفس وصعوبة مقاومتهبخلاف غيره.
فعُلم من هذا أنه خص الغضب لا حصراً ولهذا وسّع دائرة التأثر النفسي البشري لتشمل ما يندرج تحت لحون المستفتي التي يمكن أن تستميل قلب الفقيه أو القاضي ليحكم وفق مراده ,أخرج البخاري ومسلم
واللفظ للأول عن أم سلمة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال "إنما أنا بشر وإنكم تختصمون إلي ولعل بعضكم أن يكون ألحن بحجته من بعض وأقضيَ له على نحو ما أسمع فمن قضيت له من حق أخيه شيئا فلا يأخذ فإنما أقطع له قطعة من النار"فاعتذر رسول الله لنفسه بأنه بشر محذرا من عاقبة ما يجوز عليه من تأثير لحن الخطاب ليبريء ذمته ويعلم الأمة من بعده
قال ابن تيمية مستحضرَ الحديثين معا: (وينبغي للقاضي أن يكون حليما ; لئلا يغضب من كلام الخصم، فيمنعه ذلك من الحكم ; فالحلم زينة العلم وبهاؤه وجماله، وضده الطيش والعجلة والحدة والتسرع وعدم الثبات، وينبغي له أن يكون ذا أناة لئلا تؤدي عجلته إلى ما لا ينبغي، وأن يكون ذا فطنة لئلا يخدعه بعض الخصم)
وكل ما يكون سببه تعصب الفقهاء لرأي أو مذهب فهو مندرج تحت هذا البند لأن نفسية المتعصب تأطره على التقليد وتطمس بصيرته عن معاينة الدليل
-ومن هذا الضرب أن يكون الفقيه مشحوناً بفكرة ما فتؤثر على اختياره أو منهجه كأن يكون كارهاً لعالم أو مذهب فلا يقبل بما صدر عنه وإن كان نور البرهان لائحاً عليه
,وهذا الباب يؤثر حتى على ترجيح المحدث في التصحيح والتضعيف فإذا كان يحتمل معه في جعبته قبل ولوجه التصحيح والتضعيف حكما مسبقاً أو فكرة معينة فإنها تؤثر على مسلكه ومنهجه وتساهله وتشدده
فمن ذلك ما قيل عن الحاكم وكتابه المستدرك إذ دخل بنفسية مشحونة للرد على من يقول ليس في الحديث صحيح إلا في الصحيحين وهو القائل في مقام التقعيد"فإذا وجد مثل هذه الأحاديث بالأسانيد الصحيحة غير مخرجة في كتابي الإمامين البخاري ومسلم لزم صاحب الحديث التنقير عن علته ومذاكرة أهل المعرفة به لتظهر علته" فهل وفى بما قعّده؟ انظر المستدرك تعرف الجواب!
¥