فأما ابن عمر رضي الله عنهما، فرواه ابن جرير عنه; وفيه: "أنه حكى فعل المشركين فصفر وأمال خده وصفق بيديه"، وروى ابن أبي حاتم عنه رضي الله عنه أنه قال: "إنهم كانوا يضعون خدودهم على الأرض، ويصفقون، ويصفرون".

وأما ابن عباس، رضي الله عنهما، فرواه ابن جرير، وابن أبي حاتم، وأبو الفرج ابن الجوزي عنه; ولفظ ابن أبي حاتم قال: "كانت قريش تطوف بالبيت عراة، تصفر وتصفق".

(22/ 396)

ص -397 - ... والمكاء: الصفير; والتصدية: التصفيق; وكذا روي عن مجاهد، ومحمد بن كعب، وأبي سلمة بن عبد الرحمن، والضحاك، والحسن، وقتادة، وعطية العوفي، وغيرهم.

قال ابن عرفة، وابن الأنباري: المكاء، والتصدية ليسا بصلاة، ولكن الله تعالى أخبر أنهم جعلوا مكان الصلاة التي أمروا بها، المكاء والتصدية، فألزمهم ذلك عظيم الأوزار.

وروى الإمام أحمد، والنسائي، والبيهقي، من حديث ابن عباس رضي الله عنهما، "أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أخبر قريشا أنه أسري به إلى بيت المقدس، قالوا: ثم أصبحت بين ظهرانينا؟ قال: نعم، قال: فمن بين مصفق، ومن بين واضع يده على رأسه متعجبا للكذب" 1.

وأما الإفرنج وأضرابهم، من أعداء الله تعالى، فقد ذكر المخالطون لهم أن التصفيق من أفعالهم في محافلهم، إذا أعجبهم كلام، أو فعل من أحد، صفقوا تعجبا وتعظيما لذلك القول أو الفعل؛ وقد أخذ سفهاء المسلمين عنهم هذا الفعل السخيف، تقليدا لهم، وتشبها بهم.

وقد تقدم حديث عبد الله بن عمر رضي الله عنهما، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من تشبه بقوم فهو منهم" 2. وتقدم أيضا حديث عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ليس منا من تشبه بغيرنا، لا تشبهوا باليهود ولا بالنصارى" 3 وفي هذين الحديثين دليل على المنع من ... التصفيق، لما فيه من التشبه بأعداء الله تعالى.

ويدل على المنع أيضا قوله صلى الله عليه وسلم: "خالفوا المشركين" 1 متفق عليه من حديث ابن عمر، رضي الله عنهما، وكذلك قوله صلى الله عليه وسلم: "هدينا مخالف لهديهم" يعني المشركين، رواه الحاكم في مستدركه، من حديت ابن جريج، عن محمد بن قيس بن مخرمة، عن المسور بن مخرمة، رضي الله عنهما، وقال: صحيح على شرط الشيخين، ولم يخرجاه، ووافقه الذهبي في تلخيصه، ورواه الشافعي في مسنده، من حديث ابن جريج عن محمد بن قيس بن مخرمة مرسلا، ولفظه: "هدينا مخالف لأهل الأوثان والشرك".

ومن المقرر عند الأصوليين: أن الأمر بالشيء نهي عن ضده; وعلى هذا فالأمر بمخالفة المشركين هو في الحقيقة: نهي عن موافقتهم، والتشبه بهم فيما يفعلونه من التصفيق وغيره من زيهم وأفعالهم السيئة; وكذا إخباره صلى الله عليه وسلم بأن هدي المسلمين مخالف لهدي أهل الشرك، يقتضي منع المسلمين من التصفيق، وغيره من أفعال المشركين; والله أعلم.

وقد روي: أن التصفيق من أعمال قوم لوط; فروى ابن عساكر في تأريخه، عن الحسن مرسلا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "عشر خصال عملها قوم لوط، بها هلكوا، وتزيدها أمتي بخلة" فذكر الخصال ومنها التصفيق.

الوجه الثاني: أن التصفيق من خصائص النساء، لتنبيه الإمام إذا نابه شيء في صلاته، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم في

ــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــ

1 البخاري: اللباس (5892) , ومسلم: الطهارة (259).

(22/ 398)

ص -399 - ... الحديث الصحيح: "إنما التصفيق للنساء" 1 رواه مالك، وأحمد، والشيخان، وأبو داود، والنسائي، من حديث سهل بن سعد الساعدي رضي الله عنه.

وقد أتى صلى الله عليه وسلم في هذه الجملة الوجيزة، بالحصر والاستغراق، والاختصاص، فدل على أنه لا مدخل فيه للرجال بحال; وعلى هذا فمن صفق من الرجال، فقد تشبه بالنساء، فيما هو من خصائصهن.

وقد "لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم المتشبهين من الرجال بالنساء" 2 رواه الإمام أحمد وأبو داود الطيالسي، والبخاري، وأهل السنن، إلا النسائي، من حديث بن عباس، رضي الله عنهما، وقال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح.

¥

طور بواسطة نورين ميديا © 2015