وروى ابن ماجه في سننه بإسناد حسن عن أبي هريرة رضي الله عنه: "أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لعن المرأة تتشبه بالرجال، والرجل يتشبه بالنساء" 3 ورواه الإمام أحمد، وأبو داود، والنسائي بنحوه، وصححه ابن حبان والحاكم، والنووي، وغيرهم، وقال الحاكم: على شرط مسلم، ولم يخرجاه، وأقره الذهبي في تلخيصه.
وروى الإمام أحمد أيضا: عن عبد الله بن عمرو، رضي الله عنهما، قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "ليس منا من تشبه بالرجال من النساء، ولا من تشبه بالنساء من الرجال" 4 في إسناده رجل مبهم، وبقية رجاله ثقات، وقد
ــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــ
1 البخاري: الأذان (684) , ومسلم: الصلاة (421) , والنسائي: السهو (1183) , وأبو داود: الصلاة (940) , وابن ماجه: إقامة الصلاة والسنة فيها (1035) , وأحمد (5/ 335) , ومالك: النداء للصلاة (392).
2 البخاري: اللباس (5885) , والترمذي: الأدب (2784) , وأبو داود: اللباس (4097) , وابن ماجه: النكاح (1904) , وأحمد (1/ 251 ,1/ 330).
3 ابن ماجه: النكاح (1903).
4 أحمد (2/ 199). (22/ 399)
ص -400 - ... رواه الطبراني فأسقط الرجل المبهم، قال الهيثمي: فعلى هذا رجال الطبراني كلهم ثقات.
الوجه الثالث: أن النبي صلى الله عليه وسلم أنكر على الرجال لما صفقوا في الصلاة، لأنهم فعلوا فعلا لا يجوز للرجال فعله، ولا يليق بهم، وإنما يليق بالنساء؛ وقد قرن الإنكار ببيان العله في ذلك، فقال: "إنما التصفيق للنساء" 1 فهذه الجملة تفيد منع الرجال من التصفيق البتة، وأنه ينبغي الإنكار على من صفق منهم.
الوجه الرابع: أن التصفيق لم يكن من هدي رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا من هدي أصحابه رضوان الله عليهم أجمعين، ولم يكن من عمل التابعين وتابعيهم بإحسان، وإنما حدث في المسلمين في أثناء القرن الرابع عشر من الهجرة النبوية، لما كثرت مخالطة المسلمين للإفرنج، وأعجب جهال المسلمين بسنن أعداء الله وأفعالهم الذميمة.
وقد رأى الإمام أحمد، وأهل السنن من حديث العرباض بن سارية رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين، تمسكوا بها، وعضوا عليها بالنواجذ، وإياكم ومحدثات الأمور، فإن كل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة" 2 قال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح; وصححه ابن حبان والحاكم، وقال: ليس له علة، ووافقه الذهبي في تلخيصه.
وفي رواية للحاكم: "عليكم بما تعرفون من سنة نبيكم
ــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــ
1 البخاري: الأذان (684) , ومسلم: الصلاة (421) , والنسائي: السهو (1183) , وأبو داود: الصلاة (940) , وابن ماجه: إقامة الصلاة والسنة فيها (1035) , وأحمد (5/ 335) , ومالك: النداء للصلاة (392).
2 أبو داود: السنة (4607) , والدارمي: المقدمة (95). (22/ 400)
ص -401 - ... والخلفاء الراشدين المهديين، وعضوا على نواجذكم بالحق" قال الحاكم: صحيح على شرطهما جميعا، ولا أعرف له علة، ووافقه الذهبي في تلخيصه.
وقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يخطب أبلغ الخطب، ويخطب البلغاء بحضرته، وينشد فحول الشعراء عنده أفخم الشعر وأجزله، ولم ينقل أن أحدا من أصحابه صفق عند سماع خطبة ولا قصيدة.
وكذلك الخلفاء الراشدون بعده، كانوا يخطبون أبلغ الخطب، ويخطب عندهم البلغاء، وتنشد عندهم الأشعار الجيدة، ولم ينقل عنهم، ولا عن غيرهم من الصحابة والتابعين أنهم كانوا يصفقون عند التعجب والاستحسان.
وإنما نقل عن كفار قريش أن بعضهم صفقوا تعجبا لما أخبرهم رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه أسري به إلى بيت المقدس، فهؤلاء هم سلف المصفقين عند التعجب والاستحسان. وسلفهم الآخر: الإفرنج، وأشباههم من أعداء الله تعالى؛ وكل امرئ يهفو إلى ما يناسبه، ومن تشبه بقوم فهو منهم.
ولهم أيضا سلف ثالث من شر السلف، وهم: قوم لوط، فقد روى ابن عساكر في تأريخه عن الحسن البصري مرسلا: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "عشر خصال عملها قوم لوط، بها هلكوا، وتزيدها أمتي بخلة" فذكر الخصال، ومنها التصفيق.
وللمصفقين أيضا سلف رابع من شر السلف، وهم: (22/ 401)
¥