أخي الحاجّ!! احمَد الله أن جعلك مؤمنا موحدا، وهداك للإيمان والإسلام، فها أنت تحج بيت الله الحرام، وغيرُك مِمَّن طُمِست بصيرتُه، وانتكسَت فطرتُه؛ خالفوا البصائرَ والفطر، ولم تنفع فيهم الآيات والعبر {وَيَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا وَمَا لَيْسَ لَهُم بِهِ عِلْمٌ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِن نَّصِير} [الحج:71] فلم يأمرْهم أحدٌ -لا ملَكٌ ولا نبيٌّ- بعبادة غير الله، ولم توجد عندهم علومٌ ليعبدوا عن طريقها آلهةً أخرى، وإنما سوَّل لهم الشيطان الكذاب، وزين لهم أعمالهم فصدهم عن السبيل، إذا كلَّمهم الرسل عليهم الصلاة والسلام أو دعاهم الدعاة فلا يستمعون، بل {وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آيَاتُنَا بَيِّنَاتٍ تَعْرِفُ فِي وُجُوهِ الَّذِينَ كَفَرُوا الْمُنكَرَ يَكَادُونَ يَسْطُونَ بِالَّذِينَ يَتْلُونَ عَلَيْهِمْ آيَاتِنَا قُلْ أَفَأُنَبِّئُكُم بِشَرٍّ مِّن ذَلِكُمُ النَّارُ وَعَدَهَا اللَّهُ الَّذِينَ كَفَرُوا وَبِئْسَ الْمَصِير} [الحج:72] هكذا إذًا! غَضَبٌ عند سماع الآيات، ومحاولةُ الاعتداء على الآمرين بالمعروف والناهين عن المنكر. إن هؤلاء إن ماتوا على ذلك فمصيرهم بئس المصير؛ النار.
أيها المسلمون! أيها الحجاج! لا تتعلق قلوبكم بغير الله سبحانه، في جلب النفع، ودفع الضر، فكل ما يعبد من دون الله كالحشرات الحقيرة، التي إذا سلبت الإنسانَ شيئا لا يقدر على استرداده، قال سبحانه للناس: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ ضُرِبَ مَثَلٌ فَاسْتَمِعُوا لَهُ إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِن دُونِ اللَّهِ لَن يَخْلُقُوا ذُبَابًا وَلَوِ اجْتَمَعُوا لَهُ وَإِن يَسْلُبْهُمُ الذُّبَابُ شَيْئًا لاَّ يَسْتَنقِذُوهُ مِنْهُ ضَعُفَ الطَّالِبُ وَالْمَطْلُوب} [الحج:73] فإياك أخي الحاج أن تطلب شيئا مما لا يقدر عليه إلا الله، من غير الله جلا جلاله.
فالكافرون والمشركون وضعاف الإيمان من المنتسبين إلى المسلمين؛ {مَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيز} [الحج:74] فلا تتشبه بهم أيها الحاج! فهم ما قدروا الله حق قدره؛ فتمسحوا بالأحجار، وطافوا حول القبور، وقدسوا الأشجار، ودعوا واستغاثوا بالأولياء والصالحين، الأحياء منهم والميِّتين.
فعلينا جميعا أن نعلم أن {اللَّهُ يَصْطَفِي مِنَ الْمَلاَئِكَةِ رُسُلاً وَمِنَ النَّاسِ إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ بَصِير} [الحج:75]
يصطفي الرسل، ويختار الأصفياء لأنه وحده {يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَإِلَى اللَّهِ تُرْجَعُ الأُمُور} [الحج:76]
فلعلك أخي الحاجّ! أن تكونَ ممن قال الله تعالى فيهم: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ارْكَعُوا وَاسْجُدُوا وَاعْبُدُوا رَبَّكُمْ وَافْعَلُوا الْخَيْرَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُون} [الحج:77]
فآمنتَ بالله، وركعتَ لله، وسجدتَ لله، وعبدتَ الله، وفعلتَ الخير مع خلق الله، فإن كنتَ كذلك؛ فأنت من المجاهدين المستجيبين لأمر الله القائل:
{وَجَاهِدُوا فِي اللَّهِ حَقَّ جِهَادِهِ هُوَ اجْتَبَاكُمْ وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ مِّلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْرَاهِيمَ هُوَ سَمَّاكُمُ الْمُسْلِمينَ مِن قَبْلُ وَفِي هَذَا لِيَكُونَ الرَّسُولُ شَهِيدًا عَلَيْكُمْ وَتَكُونُوا شُهَدَاء عَلَى النَّاسِ فَأَقِيمُوا الصَّلاَةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَاعْتَصِمُوا بِاللَّهِ هُوَ مَوْلاَكُمْ فَنِعْمَ الْمَوْلَى وَنِعْمَ النَّصِير} [الحج:78]. ********خ خ
فالحج سبيل من سبُل الله، ورد في (أخبار مكة للفاكهي) بسنده عن أمِّ معقل قالت: كان علي حجةٌ، وكان أبو معقل قد أعدَّ بكرًا له في سبيل الله تعالى، فسألته البَكْرَ =أي الفتي من الإبل=، فكأنه أَبَى، فذكر ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم فقال: «ادفعْه إليها فلتحجُج عليه، إنه من سبيل الله تعالى» أو نحوه.
وفي رواية "أما إنك لو كنت حججت بها -يعنى على الجمل الحبيس- كان فى سبيل الله أقرئها منى السلام ورحمة الله وأخبرها أنها تعدل حجة معى عمرة فى رمضان" (الحاكم عن ابن عباس) (1/ 658)، أبو داود (1990)، وابن خزيمة (4/ 361، رقم 3077)، والبيهقى (6/ 164، رقم 11699). وصحيح الجامع (1599)
¥