ألا واعلموا أيها الحجيج خاصة والناس عامة! أن الأعمارَ كلَّها أيامٌ وليالٍ، بل الدنيا كلُّها أيامٌ وليال، كيف يكون ذلك؟ {ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ يُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهَارِ وَيُولِجُ النَّهَارَ فِي اللَّيْلِ وَأَنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ بَصِير} [الحج:61]

أيها الحجاج! وحِّدوا الله، واعبدوه ولا تشركوا من دونه أحدا، فكل معبود غيره فهو باطل {ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ وَأَنَّ مَا يَدْعُونَ مِن دُونِهِ هُوَ الْبَاطِلُ وَأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْعَلِيُّ الْكَبِير} [الحج:62] فالطواف عبادة فلا طاف بغير بيته، ولا قبلةَ غير بيته، ولا حج إلاّ إلى بيته. ولا نتوجه بالدعاء إلا إليه، ولا نتوكل إلا عليه.

فهذه الآيات الكونية المرئية كما تدلُّ على وحدانية الله سبحانه، قال سبحانه: {أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ أَنزَلَ مِنَ السَّمَاء مَاء فَتُصْبِحُ الأَرْضُ مُخْضَرَّةً إِنَّ اللَّهَ لَطِيفٌ خَبِير} [الحج:63]؛ فكذلك العبودية لا تكون إلا له وحده سبحانه، وهو غني عنا عبادة العباد، لماذا لأن {لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ وَإِنَّ اللَّهَ لَهُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيد} [الحج:64]

أيها الحاج! إذا كنت قد أتيت تضرب فجاج الأرض التي سخرها لك الله جل جلاله، فوحد الله عندما ترى الجبال الشامخة، والأراضي الشاسعة، والبلدان الواسعة، والسهول والوهاد والمرتفعات والوديان .. ،

وإن جئت حاجًّا تمخر عباب البحار؛ فتفكر في تلاطم الأمواج، وبعد غور المياه، وطعمها الملح الأجاج، وما فيها من مختلف الأسماك والحيوانات التي تراها تجري من حولك أفواج أفواج، فسبح من سخرها للإنسان لحما طريا.

وإن جئت تشق الهواء عبر السحاب؛ فوحد الله سبحانه الذي سخر لك هذا وما كنت له من المقرنين، ترى من تحتك السحاب والغيوم، ومن فوقك الفضاء والنجوم، فسبح بحمد ربك حين تقعد وحين تقوم، هذا كله من تيسير الله لنا وتسخيره. قال سبحانه: {أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ سَخَّرَ لَكُم مَّا فِي الأَرْضِ وَالْفُلْكَ تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِأَمْرِهِ وَيُمْسِكُ السَّمَاء أَن تَقَعَ عَلَى الأَرْضِ إِلاَّ بِإِذْنِهِ إِنَّ اللَّهَ بِالنَّاسِ لَرَؤُوفٌ رَّحِيم} [الحج:65] أي واللهِ إن الله بالناس لرؤوف رحيم.

أيها الحجاج! إنه الله، منه بداية الخلق، وإليه نهايتهم، {وَهُوَ الَّذِي أَحْيَاكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ إِنَّ الإِنسَانَ لَكَفُور} [الحج:66]. فلا تكونوا من الكافرين ولا الكفورين، أدُّوا مناسكَكم وشعائركَم، كما أمركم ربكم، وعلى طريقة نبيكم صلى الله عليه وسلم، لأن {لِكُلِّ أُمَّةٍ جَعَلْنَا مَنسَكًا هُمْ نَاسِكُوهُ فَلاَ يُنَازِعُنَّكَ فِي الأَمْرِ وَادْعُ إِلَى رَبِّكَ إِنَّكَ لَعَلَى هُدًى مُّسْتَقِيم} [الحج:67]

إذا كنا كذلك؛ طائعين لله، على سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، داعين إلى الله، فنحن موفَّقون على هدى مستقيم لا اعوجاج فيه.

أيها الحاج! اترك المنازع في دين الله، اترك المجادل في هديِ رسول الله، {وَإِن جَادَلُوكَ فَقُلِ اللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا تَعْمَلُون} [الحج:68] واترك أمر المنازعين المعاندين المجادلين إلى الله {اللَّهُ يَحْكُمُ بَيْنَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فِيمَا كُنتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُون} [الحج:69]

أيها المسلم أيها الحاج! {أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاء وَالأَرْضِ إِنَّ ذَلِكَ فِي كِتَابٍ إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِير} [الحج:70] فكما أنه سبحانه له الملك كله؛ فله العلم كله، علم ما في السماء وما في الأرض، وعلم الظواهر وما في الصدور، وعلمُ المخبوء والمكتوم والمستور، فلم يعيَ بعلم من العلوم وإن دقَّ أو جلّ، أو عظم أو كثر أو قلَّ.

فسُورَة الحجِّ أيها الحاج! تذكِّرك، وتخوِّفك ممن يعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور.

¥

طور بواسطة نورين ميديا © 2015