الحج في سورة الحج. الشيخ: فؤاد أبو سعيد حفظه الله تعالى.

ـ[أسامة خضر]ــــــــ[29 - Oct-2010, مساء 04:50]ـ

الحج في سورة الحج

من الآية (58) إلى آخر السورة

إنَّ الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له.

وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله.

{يَآ أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُواْ اتَّقُواْ اللهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاْ تَمُوتُنَّ إِلاّ وَأنتُمْ مُسلِمُونَ}

{يَآ أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِن نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَآءً وَاتَّقُوا اللهَ الَّذِي تَسَآءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللهَ كَانَ عَلَيْكُم رَقِيباً}.

{يَآ أَيَّهَا الَّذِينَ آَمَنُواْ اتَّقُواْ اللهَ وَ قُولُواْ قَولاً سَدِيداً * يُصلِحْ لَكُم أَعْمَالَكُم وَيَغْفِرْ لِكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَن يُطِعِ اللهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزَاً عَظِيمَاً}.

أما بعد؛ فإنَّ أصدق الحديث كلام الله، وخير الهدي هدي محمدٍ صلى الله عليه وسلم، وشرَّ الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار.

إنها سورة الحج، قال الله تعالى في الآية الثامنةِ والخمسين: {وَالَّذِينَ هَاجَرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ ثُمَّ قُتِلُوا أَوْ مَاتُوا لَيَرْزُقَنَّهُمُ اللَّهُ رِزْقًا حَسَنًا وَإِنَّ اللَّهَ لَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِين} [الحج:58]، والحجُّ هجرةٌ من الأوطان، ومفارقةٌ للأهل والأصحابِ والخلان، ففي الحجيج مشابهةٌ بالمجاهدين في سبيل الله سبحانه، فهم معرَّضون للقتل من قطاع الطرق واللصوص، أو الموت بحادث أو مرض ونحوه، فالله يتولاهم في دنياهم وأخراهم، ولن يضيع أعمالهم، عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا؛ أَنَّ رَجُلا كَانَ مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَوَقَصَتْهُ نَاقَتُهُ وَهُوَ مُحْرِمٌ فَمَاتَ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "اغْسِلُوهُ بِمَاءٍ وَسِدْرٍ، وَكَفِّنُوهُ فِي ثَوْبَيْهِ، وَلا تَمَسُّوهُ بِطِيبٍ، وَلا تُخَمِّرُوا رَأْسَهُ، فَإِنَّهُ يُبْعَثُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مُلَبِّيًا" متفق عليه. قال النووي: [وَقَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (فَإِنَّهُ يُبْعَث يَوْم الْقِيَامَة مُلَبِّيًا، وَمُلَبِّدًا، وَيُلَبِّي) مَعْنَاهُ: عَلَى هَيْئَته الَّتِي مَاتَ عَلَيْهَا، وَمَعَهُ عَلامَةٌ لِحَجِّهِ، وَهِيَ دَلالَةُ الْفَضِيلَة، كَمَا يَجِيء الشَّهِيد يَوْم الْقِيَامَة وَأَوْدَاجه تَشْخَب دَمًا]. من شرح النووي على مسلم.

وأورد ابن حجر في فتح الباري: [عَنْ عَابِس بْن رَبِيعَة -وَهُوَ بِمُوَحَّدَةِ وَمُهْمَلَة- أَنَّهُ سَمِعَ عُمَر يَقُول وَهُوَ يَخْطُب: (إِذَا وَضَعْتُمْ السُّرُوج؛ فَشُدُّوا الرِّحَال إِلَى الْحَجّ وَالْعُمْرَة، فَإِنَّهُ أَحَد الْجِهَادَيْنِ) وَمَعْنَاهُ؛ إِذَا فَرَغْتُمْ مِنْ الْغَزْو؛ فَحُجُّوا وَاعْتَمِرُوا، وَتَسْمِيَةُ الْحَجّ جِهَادًا؛ إِمَّا مِنْ بَابِ التَّغْلِيبِ أَوْ عَلَى الْحَقِيقَة، وَالْمُرَاد جِهَادُ النَّفْس؛ لِمَا فِيهِ مِنْ إِدْخَال الْمَشَقَّة عَلَى الْبَدَن وَالْمَال .. ] فتح الباري (3/ 381).

وعَنْ عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا أَنَّهَا قَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ! نَرَى الْجِهَادَ أَفْضَلَ الْعَمَلِ؛ أَفَلا نُجَاهِدُ؟! قَالَ: "لا! لَكِنَّ أَفْضَلَ الْجِهَادِ؛ حَجٌّ مَبْرُورٌ" البخاري (1520) فتح الباري (3/ 381). أي والله إن المجاهدين والحجاج {لَيُدْخِلَنَّهُم مُّدْخَلاً يَرْضَوْنَهُ وَإِنَّ اللَّهَ لَعَلِيمٌ حَلِيم} [الحج:59]

إن ما يحدث بين الحجيج من بعض الخلافات الكلامية، والاعتداءات المعنوية التي تصدر من هنا وهناك، تذكرنا بها هذه الآية {ذَلِكَ وَمَنْ عَاقَبَ بِمِثْلِ مَا عُوقِبَ بِهِ ثُمَّ بُغِيَ عَلَيْهِ لَيَنصُرَنَّهُ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ لَعَفُوٌّ غَفُور} [الحج:60] فتحثنا على الصبر والصفح والعفو واحتمال الآخرين.

¥

طور بواسطة نورين ميديا © 2015