فالأول هو الاعتقادات كما بينه ابن النجيم الآن، لأن الإنسان في أول ملاقاته بهذه الدنيا يحتاج إلى صورة خطية في ذهنه ليمضي حياته حسب ما وجد منها. كما أشار إليه عليه السلام فقال:
حَدَّثَنَا آدَمُ حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي ذِئْبٍ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: كُلُّ مَوْلُودٍ يُولَدُ عَلَى الْفِطْرَةِ فَأَبَوَاهُ يُهَوِّدَانِهِ، أَوْ يُنَصِّرَانِهِ، أَوْ يُمَجِّسَانِهِ، كَمَثَلِ الْبَهِيمَةِ تُنْتَجُ الْبَهِيمَةَ هَلْ تَرَى فِيهَا جَدْعَاءَ. [10] ( http://majles.alukah.net/#_edn10)
فالمولود يولد على الفطرة أي الإسلام، فأبواه يهودانه، أو ينصرانه، أو يمجسانه، أو غير ذلك من الأديان و المذاهب الموجودة في البلدان و الأقطار. فهذه هي الصورة الخطية أشار إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم، فالأب أو الأم، هما أو أحد منهما أول من يعرض بين يدي الأولاد الخطوط التي يمضيان عليها، بأن هذه هي أساس حيات الطفل. فالإسلام هو الدين الذي نجد فيه جميع تفاصيل الخطوط. فالاعتقاد تنشعب منه: الإيمان بالله، و ملائكته، وكتبه، ورسله، و اليوم الآخر، كما بينا آنفاً.
و في بعض الروايات أكثر من هذا، فأجاب رسول الله صلى الله عليه وسلم لجبرئيل إذا سئله: ما الإيمان؟ فقال عليه السلام: أن تؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر والبعث من بعد الموت والحساب والقدر خيره وشره وحلوه ومره [11] ( http://majles.alukah.net/#_edn11).
فهذا هو ما قد حفظنا باسم «الإيمان المفصل» في ريعان عمرنا: آمنت بالله و ملائكته و كتبه و رسله و اليوم الآخر و القدر خيره و شره من الله تعالى و البعث بعد الموت. و لهذه الكلمات أثر نفيس في حياة الإنساني من حيث القول و العمل و إصلاح الفرد الواحد.
ولابد من الإيمان بهذه الأجزاء إذ الأجزاء بأسرها تتوقف بعضها على بعض، ألا ترى إلى من يؤمن بالله و لم يؤمن بالبعث بعد الموت، هل هو مؤمن؟ وكذلك من آمن بالله و لم يؤمن بالرسالة هل هو مؤمن؟ أو آمن بالرسالة و لم يؤمن بالكتب أو بالله هل هو مؤمن؟ لا يقال له مؤمن حتى آمن بجميع أجزاء الاعتقاد، و نعدّه من المؤمنين من أخوتنا، ونجري عليه أحكام الإسلام ونعامله كما نعامله بإخوتنا المسلمين المؤمنين، و إلا فهو ذمي، كافر لا يجري عليه أحكام الإسلام، و لا يكون له ما للمسلمين، و له ما لغير المسلمين في دولة الإسلامية.
و أما العبادة، فهي أيضا تنشعب منه: الصلاة، والزكاة، و الصوم، والحج، و الجهاد.
هذه هي الواجب الثاني على كل مسلم و مسلمة في المجتمع، ليكون جزءاً كاملاً للمجتمع الإنساني فعّالاً غير ناقص، محبا و ممدا لأمثاله، مدافعا عنهم، حتى يكون كل فرد من المجتمع كالمجتمع في رجل واحد، ليصل المجتمع إلى نهاية نحاحه.
و كذلك المعاملات، فهي أيضا تنشعب منه: المعاوضات الماليَّة، والمُناكَحات، والمُخاصِماتُ، والأَمانات، والتَّرِكات. إذ الإنسان إذا يخرج من بيته ليكسب المال فلا بد له أن يعامله معالة مع آخر، مثلا يبيع منه أو يشتري، أو يضاربه مضاربة، أو يؤاجره، أو يستاجره، أو يستصنع، أو يسلم أو غير ذلك من أبواب البيوعات وغيره يدخل تحت المعاوضات المالية.
وكذلك المناكحات، إذا أراد التزويج، أو النكاح، لنفسه أو لمن يتعلق به من الأولاد، و الإخوة و الأخوات، فيدخل جميع هذا تحت كتاب النكاح و الطلاق و الرضاعة و الحضانة و غير ذلك. و لا يخفى عليك ما تحت طيات المخاصمات و الأمانات و التركات، لا نطول هذا البحث لملال الطول.
و أما المزاجر، فهي أيضا تنشعب منه: مَزجَرَةُ قتل النفس، ومزجرة أخذ المال، ومزجرة هتك السّتر، ومزجرة هتْكِ العِرض، ومزجرة قَطْعِ الْبَيْضَةِ، إذ الإنسان إذا خرج من بيته لكسب معيشته أو لأمر آخر فلا يمكن أن يستكمل ما هو بصدده بغير شركة إنسان آخر، لأن الإنسان مدني الطبع و كل من كان هكذا، لا يمكن أن يقطع مفازة الحياة بغير استعانة مثله. وإذا اشترك بعضنا ببعض فيمكن أن يجادل معه، أو يضاربه، أو غير ذلك من
¥